هناك من ينظر إلى غزل الفقهاء في (تراثنا الأدبي) بأنه من قبيل النظم الذي تنقصه قدرة التعبير الانفعالي وحس توظيف اللفظ وصولا إلى المعنى؟ يقول الدكتور معجب العدواني :الفقهاء بشر يعيشون كما نعيش ويحبون كما نحب، وليسوا كائنات مختلفة، لم يمارسوا شعر الغزل على سبيل الهزل أو المزح ولم يكتبوا كتب الحب والصبابة على سبيل الطرافة وقضاء الوقت، وربما كانوا أقرب إلى ممارسة الغزل لكونهم أكثر قدرة على التعبير عن انفعالاتهم ومشاعرهم، ومع أن شعر الفقهاء بصفة عامة يصنف من رديء الشعر إذ يغلب عليه النظم وتسوده مصطلحات العلم الذي يمارسه أولئك، ولعل القصة التالية تؤكد مستوى رداءة بعض شعر الفقهاء ولا سيما ما ارتهن منه إلى المعجم اللغوي الذي ينهل منه أهل كل علم فقد ورد في كتب التراث أن الفاضل أبا القاسم بن رضوان كاتب العلامة بالدولة المرينية قال: ذكرت يوماً صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أبي الحسن وكان المقدم في البصر باللسان لعهده، فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي؛ ولم أنسبها له وهو هذا: لم أدر حين وقفت بالأطلال ما الفرق بين جديدها والبالي فقال لي على البديهة : هذا شعر فقيه، فقلت له : ومن أين لك ذلك ؟ فقال: من قوله ما الفرق؟ إذ هي من عبارات الفقهاء، وليست من أساليب كلام العرب . فقلت له : لله أبوك، إنه ابن النحوي. وأضاف د .العدواني:هذا لا ينفي أيضاً قوة شعر بعضهم ممن كانوا يؤمنون أن الشعر بتركيبه لا بموضوعه، ولذلك كان هدفهم جماليات الشعر لا موضوعاته، ولعل شعر الشيخ أحمد بن أبي حجلة الذي عاش بين سنتي 725و776ه أحد فقهاء الحنفية وأحد أبرز شعراء تلك الفترة يعد مثالا مناسبا لذلك، فقد أصدر ابن أبي حجلة ديوانا كاملاً بعنوان (ديوان الصبابة) تفيض نصوصه عذوبة ورقة.