زارتني في عيادتي إحدى الامهات لتبشرني بأن حال ابنتها تحسنت كثيرا،وقد كانت شكواها تتلخص في تغير طارئ على سلوك طفلتها على طاولة الطعام، فأصبحت لاتحسن التعامل مع صحنها وملعقتها، وتتلاعب بالاكل يمنة ويسرة، وتنقي بعض الانواع من صحنها لترمي بها خارج الصحن، ولا تتوقف عن اصدار اصوات بملعقتها مع الصحن، والادهى والأمرّ من هذا كله انها تنشغل بهذا التلاعب فلا تأكل مايوضع لها!! في البداية استفسرت من والدتها عن السبب الذي تعزوه لهذا التغير، وهل جد امر جديد على العائلة بقدوم ضيف جديد او غياب شخص عزيز او انتقال من منزل الى منزل جديد، ولكن الاجابة جاءت بالنفي، وبالتالي غاب السبب الحقيقي خلف هذا التغير المفاجئ على سلوك ابنتها سارة!!.. واخيرا طلبت من والدتها ان تتذكر إن كان هناك من لعبة جديدة تم شراؤها قبيل حصول هذا التغير ؟.. فسكتت ام سارة قليلا وهي تفكر، ثم اتسعت حدقتا عينيها وقالت والله يمكن كلامك صحيح يادكتورة!!.. ثم قالت : انا تذكرت الان فقط، انني اشتريت لها لعبة بلاستيكية مكونة من طقم قدور صغيرة وصحون وملاعق وشوك وقطع بلاستيكية على شكل طعام كاللحمة والخس والطاطم والذرة وغيرها، وقد احبت سارة كثيرا هذه اللعبة وبدت كأنها تقطع الطعام وتطبخه في قدرها الصغيرة!!.. قلت لها : توقفي هنا، فابنتك سارة ماعادت تفرق بين صحنها وملعقتها اللعبية، وبين سفرة الطعام والوجبة الحقيقية، وبمعرفة السبب يبطل العجب!!.. اتفقت مع ام سارة على أن تهتم بالجلوس مع ابنتها حال لعبها وان تبين لها الفرق ان استطاعت، والا فانها تأتي بهدية جديدة بديلة كعروس من الدمى وان تختار لها عدداً من الغيارات والملابس، لتنشغل سارة بدميتها وبتغيير ملابسها، ويتم سحب اللعبة القديمة في الخفاء!!.. كما اتفقت معها على ان تخصص لسارة طبق طعام خفيف بألوان زاهية وكذلك ملعقة صغيرة عليها رسومات تتناسب وسنها.. والاهم من هذا ان تتعلم سارة ان الجلوس على طاولة الطعام له احترامه وله كذلك وقت محدد يجب ان يتم فيه الانتهاء مما في الصحن، وعندما ينتهى الوقت يقوم الجميع حتى لو لم تشبع، لكي تتعلم في المرة القادمة ان لا تضيع الوقت في اللعب!!.. وهذه مسألة مهمة يغفل عنها كثير من الآباء حيث يجب ان لا يجلس الطفل على طاولة الطعام الا عندما يوضع الاكل ثم يبدأ الجميع باسم الله، وبعد مرور الوقت الكافي يقوم الجميع بعد حمد الله مرة واحدة، والغرض من ذلك ان يتعلم الطفل الانضباط، وليكون عنده نوع من الارتباط الذهني بين الجلوس على الطاولة، وبين الاكل فيحصل بذلك انفتاح لشهيته واستعداد للاكل، وكذلك يتعود الطفل بأن يستغل الوقت المحدد للاكل قبل ان ترفع الصحون، وبذلك يتحسن سلوكه وعادته الغذائية دون الحاجة للإلحاح عليه وملاحقته بالصحن، خصوصا وان بعض الاهالي مستعد لتقديم الطعام للطفل في اي وقت متى ما طلب، وبالتالي يظن الطفل ان لديه فرصة للتمنع والتغلّي ورفض الطعام، لغرض لفت الانتباه والاحساس بقيمته عند العائلة!!.. رحم الله والدي الذي كان يكرر على اسماعنا (الظامي يكسر الحوض، والجوعان يكسر الجدران)!! قليل من الانضباط والصبر يمكننا من جني ثمار السلوك الحسن والانضباط.. وعلى دروب الخير نلتقي..