ما مصير الأفكار التي تصبها القنوات الفضائية في عقلك منذ أكثر من عشر سنوات؟ هل تذهب سدى من دون أثر؟ الأكيد أنه ما من فكرة إلا ولها حضورها الفيزيائي وحياتها الخاصة التي تنمو وتنشط في مجال العقل وتستمر في نشاطها حتى تتحول إلى سلوك ظاهر يمارسه الفرد في حياته الواقعية، إن كل فكرة تصب في العقل تبقى كامنة هناك تنتظر الفرصة لكي تخرج على هيئة سلوك واقعي يمشي على الأرض؛ وذلك بعد أن تكون تفاعلت مع غيرها من الأفكار التي يختزنها هذا العقل. وما دامت هذه طبيعة حياة "الفكرة".. وهي طبيعة حتمية.. فلنا أن نعيد السؤال: أين تذهب الأفكار التي تبثها القنوات صباح مساء منذ مطلع التسيعنات؟ الإجابة هذا السؤال تبدأ من عندك أنت، أريدك أن تنظر في سلوكك اليومي، في تصرفاتك، في قناعاتك وفي طريقة تعاطيك مع المحيط من حولك، هل ترى فيها تغيراً عن ما كنته قبل عصر الفضائيات؟. ما الذي كنت ترفضه وأصبحت اليوم تعتبره من الأمور الطبيعية؟ إن أي اختلاف ستلمسه ليس إلا ثمرة من ثمار هذا الانفتاح الفضائي الذي جاء إليك بأفكار وطبائع وسلوكيات مختلفة فكرسها فيك حتى تغيرت أفكارك وطبائعك وسلوكياتك. البداهة تقول إن كل مادة إعلامية تعرضها الفضائيات ما هي إلا "فكرة" ينوي صانعها تقديمها للمشاهد بغض النظر عن سموها أو انحطاطها، هذه الفكرة ستتسرب إلى عقلك وستستقر هناك، وسواء عليك أرفضتها أم لم ترفضها فهي ستبقى هناك رغماً عنك وسيكون لها أثر حتمي عليك ولو بعد حين. فالذي سيجري في عقلك هو صراع بين القناعات القديمة والجديدة، والنتيجة التي ستخرج بها هي مزيج هجين من تلك وتلك، ستكون هي قائد حياتك وموجهة سلوكك الجديد. وسلوكك الجديد الذي لا بد أنك لاحظته في نفسك يقول: انك أصبحت هادئاً أمام كل جديد ولم تعد تستغرب حتى الشذوذ نفسه، وبالنسبة لقضايا مثل قضية المرأة وقضية قيادتها للسيارة والرأي المختلف وجرأة الفن والأدب وكثير من القضايا التي كنت تضع أمامها خطوطاً حمراء، فقد أصبحت تتعامل معها بوضعها الطبيعي كقضية إنسانية خلافية قابلة للأخذ والرد، وهذا ليس إلا نتيجة لقناعات جديدة صُنعت في مختبر العقل، مصدرها الفضائيات التي إن كرست شيئاً ذا قيمة فلن يكون إلا مبدأ "الحرية الفردية" وأن لكل رأي .. ولكل فرد.. حقه في الحياة بالشكل الذي يريد.