في أعرافنا الإدارية والعلمية يحتل الدوام اليومي المرتبة الأولى في تقدير عطاء والتزام الموظف.. أما نوع ودرجة انجاز العمل فهو في مراتب تختلف درجاتها من مدير لآخر ومن مؤسسة لأخرى.. فالكثير من المنظمات ودوائر العمل تشدد على جانب الدوام أي أن المحاسبية تعني لدى بعض المديرين أن تكون موجوداً (حضورياً) على رأس العمل بغض النظر كونك فاعلاً أو مقصراً أو مطحوناً من عبء العمل. ومهما كان مقدار انجاز الموظف ودقته وإبداعه.. فسجل الدوام اليومي هو المؤشر الحقيقي لذلك الجهد الذي يقوم به. ضمن هذا المنطق تتساوى القيمة الأدائية والتقويمية لعدد من الموظفين. وهذا منتهى القهر الوظيفي الذي يعانيه عدد من الموظفين المخلصين. .. إن رفعنا لقيمة الحضور الجسدي للدوام جعلتنا نطلق عليه مسمى الدوام فقط. فبيان الحضور والغياب هو السيف المسلط على الموظف وحتى مع قناعة المسؤول عن الشؤون الإدارية في المنظمة بذلك السيف إلا أنه لا خيار له سوى تطبيق الأنظمة. ولعل هيئة الرقابة والتحقيق.. تؤكد ذلك المفهوم بالمتابعة المستمرة عن أداء الموظف من خلال بيانات حضوره أو انصرافه أو تأخيره وهذه المشكلة الأكبر. وكأنها تشدد على أن المحاسبة تضع "الدوام" في المقام الأول للعمل ونجاحه. أما متابعة سير العمل وانجازه لا محل لها من الإعراب.. أو تكون بدرجات متدنية التقدير.. وهذا ما يزيد قناعة المجتهد عندما يتساوى مع المهمل في التقييم بأن الحرص على الدوام أهم من الحرص على العمل ذاته.. وهذه الثقافة التي كرستها المفاهيم الإدارية الواقعية لنا. لذا نرجع فشل معظم منظماتنا الإدارية في تحقيق أهدافها لفقدان قوانين تسيير الأنظمة الفاعلة والرادعة التي تجيد فن المحاسبية لإنجاز العمل.. فبعض المنظمات الدولية تتيح للموظف تقديم انجازه حسب برنامج حضور وانصراف محدد يكون التقييم الأولي بقيمة ما يعطيني من عمل لا بقيمة ما يمكثه من وقت في العمل.. واقعياً.. لن نخفي أن هناك موظفين وموظفات أكثر انضباطاً بحضور الدوام وبلا إجازات غير عادية، ولكن أسألوا عن انجازاتهم؟؟.. ستجدون أنها لا تتعدى عن شرب أكواب من الشاي والقهوة وقراءة الصحف والتجول في ردهات العمل والبحث عن وساعة الصدر. والتوقيع موجود في العمل.!! وبناء على هذه القيمة العالية للدوام تكون بعض القرارات الإدارية التي يقدمها بعض المديرين مخجلة لبعض الموظفين لكونها لا تنظر لانجازه في العمل وجودته بل إلى دوامه.. في حين أن الأهم تقييم انتاجية الموظف مع وضع قوانين للدوام ذات مرونة مع المجتهد. على أن يكون الانجاز في العمل له القيمة الأكبر.. وهذا ما يجدر أن تركز عليه هيئة الرقابة والتحقيق. وأن تعيد وزارة الخدمة المدنية صياغة بعض البنود الخاصة بتقييم أداء الموظف. لعلنا نعيد للعمل تقديره المطلوب.