يسعى التربويون لإيجاد بيئة صحية مناسبة لطلابهم من خلال العديد من الإجراءات العملية مثل تهوية حجرة الدراسة ونظافتها والحرص على نظافة الطلاب الحسية والمعنوية التي تضمن لهم بإذن الله صحة بدنية مناسبة، إدراكاً بأهمية النظافة في تحقيق صحة الأبدان، فإذا صح البدن صح العقل، وإذا صح العقل حرياً بالطلاب الفهم والاستيعاب، ويتحقق بذلك رسالة التربية والتعليم. وفي العالم المتحضر يوجد ضمن هيكلة المدرسة من يقوم بالتأكد من وجود البنية المدرسية الصحية المناسبة. فهناك مثقف صحي ومثقف تغذية ومسعف بل إن هناك طبيباً (أحياناً) ومتخصصاً في التوعية والثقافة الصحية العامة، ولا يترك الأمر هملاً. يؤثر كل ذلك في إيجاد البنية السليمة للتعليم والتعلم ويؤثر بشكل كبير في الوقاية من العديد من الأمراض. ولا يقتصر دور تلك المنظومة على المدرسة والطلاب والمعلمين. بل إنه وصل أسر الطلاب عن طريق نقل ثقافة الصحة والنظافة إلى المنازل عن طريق الطلاب أنفسهم، أو ما يحملونه من نشرات تثقيفية وتوعوية، أو حضور أولياء الأمور للفعاليات المدرسية المخصصة لهذا الغرض. وباختصار فالمدرسة مصدر إشعاع علم، وثقافة، وصحة، ولها انعكاسها الإيجابي الكبير على المجتمع المحيط. وفي المقابل والمتابع للواقع لدينا مع الأسف يلمس أن المدرسة - غالباً - مجرد أسوار أربعة تحتضن الطلاب فترات زمنية محددة خلال اليوم، تعطيهم الحد الأدنى من المعارف والعلوم تتفاوت درجاتها من معلم إلى آخر حسب إخلاصه وتفانيه. أما البيئة الصحية المناسبة فحدث ولا حرج. فمن يدخل حجرات الدراسة يدرك للوهلة الأولى حجم المسؤولية على إدارة المدرسة لإيجاد البيئة الصحية المناسبة. فلا مثقف أو متخصص صحي، ولا مراقب تغذية، ولا مسعف ولا طبيب ولا حتى معلم مدرب لمباشرة الحالات الإسعافية على الأقل. فكيف تتوقع أن يكون إنتاج الطلاب وهم (أحياناً) يشربون ماء ملوثاً ويأكلون من مقصف متسخ، ويعيشون في حجرات ضيقة، وفناء غير معد للعملية التربوية والتعليمية! فكيف يكون العقل السليم في مثل هذه البيئة؟ إنه تحد كبير أمام طلابنا وأمام المدرسة. ويبدو أن قرار ضم الوحدات الصحية لوزارة الصحة إجراء يلوح في الأفق. ومن وجهة نظري أن مثل هذا القرار سوف يؤثر على مسيرة وتجربة وخبرة الوحدات المدرسية التي بنيت في عشرات السنين. ولن يطال التأثير دورها العلاجي للطلاب في القرى والهجر فحسب، بل دورها الوقائي والثثقيفي. إن وزارة الصحة في وضعها الحالي لن تستطيع القيام بالدور العلاجي للوحدات الصحية بالشكل المطلوب نظراً لما تعانيه أصلاً من قصور في مراكز الرعاية الأولية كماً وكيفاً، ناهيك أن تقوم الوزارة بالدور الوقائي والتثقيفي الذي تقوم به الوحدات المدرسية بشكل فاعل لسهولة التنسيق بينها وبين المدارس والجانب التربوي. وبكل تأكيد أن المصلحة الوطنية تأتي أولاً. ولكن لا ينبغي أن نناقش تبعية الصحة المدرسية من منظور إداري فحسب، بل لا بد وأن ننظر له من بعده التربوي كذلك. فالوحدات المدرسية تقوم الآن بالدور التثقيفي والوقائي بسهولة، وتخطط برامجها تحت مظلة واحدة وتنفذ بأذرع متعددة ولكن بمرجعية واحدة؛ وهذا هو حال الرعاية الصحية المدرسية في شتى أقطار العالم المتحضر. لا نريد أن يعيق برامج التثقيف الصحي بيروقراطية العمل الإداري بحكم اختلاف جهة التخطيط والإشراف عن جهة التنفيذ. نريد أن يستمر الدور العلاجي لهذه الوحدات الموجه للمعلمين والطلاب ونعفيهم من الانتظار في طوابير مراكز الرعاية الأولية إن وجدت، ونرفع الضغط عن تلك المراكز. اسمحوا لي أن أهمس في أذن معالي وزير الصحة، الوزير النشط، متجدد العطاء، وادعوا معاليه للنظر في الآتي: @ هل تدرك الوزارة الأبعاد الحقيقية لدور الوحدات المدرسية التثقيفية والوقائية وخبرتها الطويلة في هذا الجانب؟ وماذا سيكون مآل ذلك في ظل غياب أي متخصص أو مثقف صحي في أي مدرسة عدا المدارس الأهلية الكبيرة وفي المدن الكبرى فقط؟ وما مصير البرامج الوقائية والعلاجية المنفذة حالياً، أو المخطط لتنفيذها؟ وكيف سيتم التنسيق (بل التكامل) مع وزارة التربية والتعليم في ذلك؟ @ كيف ستقوم الوزارة بتعويض المواطن والمعلم والطالب الذين يسكنون في أقصى أودية الشمال أو أعالي جبال الجنوب أو أواسط نجد، عن الوحدات المدرسية التي تقدم وحدها لهم ولأسرهم العلاج؟ @ كيف تضمن الوزارة استمرارية تقديم برامج صحية تدريبية للمعلمين والمعلمات في المجالات: التثقيفية، الوقائية والإسعافية والصحة العامة؟ @ وما مصير الطبيبات والهيئة الفنية النسوية في الوحدات المدرسية للبنات اللاتي كن يستمتعن بالاستقلالية الكاملة عن الرجال؟ ندرك أن للوحدات المدرسية دورا كبيرا في العديد من المجالات. ولا ننكر وجود بعض الإشكالات تعترضها وهي في حاجة ماسة للدعم والتطوير. والمعلمون يحتاجون لجهة صحية ترعاهم وأسرهم رعاية أولية، فالمعلم ليس كغيره من موظفي الدولة. فهو حبيس حجرة التدريس وتأخره أو غيابه له بالغ الأثر على طلابه. لذلك كنا ولا زلنا نأمل بمستشفى أو مستشفيات خاصة بهم، مراعاة لظروفهم الوظيفية، وتقديراً لرسالتهم الجليلة. كنا نتوقع أن يتطور وضع وحدات الصحة المدرسية في الوزارة لتقديم خدمات أكبر لمنسوبيها بحكم انتشارهم وانتشارها لتوفر لهم العلاج، والبرامج التثقيفية والوقائية والتي أثبتت لنا مؤخراً مقدرتها على تحقيق ذلك بكل كفاءة. وإذا كان لا مناص من انتقال تبعية الصحة المدرسية لوزارة الصحة. فلابد من الإجابة عملياً لا نظرياً على التساؤلات أعلاه. والله من وراء القصد. والحمد لله رب العالمين. مجلس الشورى