كان زحام المراجعات للقسم النسائي في مبنى الأحوال المدنية بمدينة الرياض لافتا للنظر بصورة لا يخطئها المشاهد، فذلك القسم الصغير والذي يضم عشرين موظفة تحول فجأة إلى مكان يعج بالطالبات والأمهات اللاتي بدأ حضورهن من ساعات الصباح الأولى للمبادرة في الحصول على أرقام مراجعة القسم التي تتجاوز المئات في اليوم الواحد. أفواج من الطالبات بدا عليهن انزعاج واضح من التوقيت الخاطئ لصدور القرار عن الجهة المعنية تزامنا مع ضغط الامتحانات، وكان هذا الإجراء المفاجئ مصدرا لإرباك حركة الطالبات في ذلك المبنى فبين المبنى الصغير والعدد المحدود جدا لموظفاته وبين الأعداد الهائلة من طالبات الثانوية وطالبات جامعة الرياض تحديدا، لم يكن التوقيت هو فقط سبب الزحام بل كذلك أيضا عدم التنسيق الذي بدا واضحا بين إدارة الأحوال المدنية ووزارة التربية والتعليم . كما أن القرار الذي صدر فهمت منه الطالبات شرطا إجباريا للحصول على بطاقة الهوية من أجل امتحان القدرات الذي يسبق برنامج التسجيل بالجامعات، الأمر الذي جعل التوافد من أجل الحصول على البطاقة يشكل عبئا كبيرا على القسم النسائي بالأحوال المدنية . فذلك القسم الصغير أصبح لا يستوعب إمكانية الخدمات السريعة ليس فقط لطالبات الثانوية العامة وطالبات جامعة الرياض بل كذلك القرى والضواحي المجاورة للرياض أيضا حتى إن بعض المراجعات وخصوصا الكبيرات في السن افترشن الأرض لعدم توفر المقاعد الشاغرة كما أن بعضهن اتخذن المدخل الخارجي للقسم جلسة في الهواء الطلق خوفا من التزاحم والاختناق . كان الضغط الشديد بين الاستجابة للقرار المفاجئ لوزارة التربية، وأجواء الامتحانات يكشف عن قلق المراجعات من الساعات الطويلة للانتظار في القسم، والتي أصبحت وقتا ضائعا وثمينا للمذاكرة ومراجعة الدروس. بعض أمهات الطالبات المراجعات اعترضن على توقيت القرار فلو كان صدور القرار في وقت أبكر كبداية السنة مثلا لأمكن للطالبات الحصول على فرصة مريحة لمراجعة القسم النسائي للأحوال المدنية، كما كان ذلك سيخفف الضغط على طاقم القسم من الموظفات السعوديات فهن رغم كفاءتهن العالية في إدارة القسم والمهام الموكلة إليهن من استقبال المراجعات وتعبئة البيانات والتقاط الصور وإعداد الملفات، إلا أن الضغط كان أكبر بكثير من قدرة القسم على إنجاز المهمة في وقت وجيز لكثرة المراجعات. لفت نظري في الأروقة الضيقة وجود سيدة سعودية تجول وسط المراجعات تسوق لبضاعة في كيس تحمله بيدها وعندما سألتها عن سبب حضورها أجابت - أنني أتي للقسم بغرض طلب الرزق لا أكثر وأعرض لمغلف حجاب الحشمة ب 5ريالات وهو عبارة عن مغلف تدخل فيه المرأة بطاقتها ليحجب صورتها الشخصية عند رغبتها في مراجعة أي جهة كالمستشفيات وغيرها !!! ذهبت وأنا أستغرب من الحدث ككل إذ إن الترويج العلني لمنتج يحجب صورة المرأة في بطاقة الهوية الوطنية في قسم معتمد بإصدار بطاقات هوية تحمل الصورة الشخصية يحمل أكثر من علامة استفهام ؟؟ بيد أن القرار من ناحية ثانية كان فرصة لبعض الأمهات للمجيء مع بناتهن من أجل الحصول على بطاقة الأحوال لهن جميعا، كالمعلمة (الجوهرة آل الشيخ) التي وجدت في المناسبة فرصة لاستخراج بطاقة الأحوال مع ابنتيها طالبتي الجامعة والثانوية، وكان رقم القيد المتسلسل الذي تجاوز 500، هو القيد الذي اضطرها وبناتها لقضاء ساعات من الانتظار مستقطعة من وقت مذاكرة مادة البلاغة في أول يوم من الامتحان الأمر الذي كشف عن مسحة من القلق عليهن جميعا . أما الهنوف الراشد (طالبة في جامعة الملك سعود) ثمنت القرار بقولها "إن بطاقة الهوية الوطنية إجراء لابد منه بالنسبة للمرأة لتسهيل معاملات البنوك من سحب وإيداع واكتتاب وغيره وتعتقد بان البطاقة أصبحت ضرورة لإثبات هوية المرأة الوطنية .السيدة (انتصار القحطاني) جاءت مع ابنتها الطالبة بجامعة الرياض للبنات مع شقيقتها التي حثتها على الحضور لإصدار البطاقة، وكانت شكواها بأن فرعاً واحداً نسائياً في منطقة الرياض لا يكفي فهو يشمل مدينة الرياض وضواحيها وهذه أعداد كبيرة لا يستوعبها القسم مقابل عدد الموظفات الذي لا يتجاوز 20موظفة موزعة بين الأقسام المختلفة . ولحسن الحظ أن ابنتها سارة القرعاني انتهت مؤخرا من أداء امتحاناتها النهائية، لكنها استغربت من القرار المفاجئ لإدارة الجامعة في طلبها من خريجاتها استخراج بطاقة الهوية في هذا الوقت من العام حتى يتسنى لهن الدخول في الامتحانات النهائية واستلام وثيقة التخرج . وكان فرح الطالبة (أمل الحربي) بحصولها على بطاقة الأحوال وسط ذلك الزحام، علامة على نهاية الإجراءات الطويلة حين استلمت بطاقتها التي يتجاوز الرقم المتسلسل 130ألفاً ضمن الإصدار العام للهوية الوطنية للمرأة السعودية . تقول أمل عن هذه الإجراءات : (قدم والدي أوراقنا وجوازات السفر قبل أسبوعين إلى قسم الرجال وجئنا اليوم لمطابقة البيانات والتصوير واستلام البطاقة كما أن كثيراً من زميلاتي أصدرن البطاقة الذكية وهي بطاقة تحمل بصمة الطالبة مع بياناتها) . أما السيدة (عمشى العتيبي) فقد ضمت رأيها إلى آراء الكثير من أمهات الطالبات حين قالت : (تأخرت وزارة التربية كثيرا في إصدار قرار استخراج بطاقة الهوية لطالبات الثانوية العامة فاضطررنا للحضور في أسبوع ما قبل الامتحان نظرا لعدم مقدرة ابنتي على الغياب، مما أربكنا في الحضور وسيكون لذلك تأثيره السلبي على نتائجها في أداء الامتحانات). قد لا يعرف الكثيرون سبب التوقيت لهذا القرار في مثل هذا الوقت العصيب بالنسبة للطالبات وعوائلهن التي تستعد لموسم الامتحانات بضغط عال من الجهد والمتابعة والمراجعة والمذاكرة . إلا أن توقيته وضرورة الإجراءات المترتبة عليه أضافت عبئا مضاعفا على الطالبات وعوائلهن، فضلا عن عدم الاستعداد الذي كان ينبغي أن يتزامن مع القرار في القسم النسائي للأحوال المدنية.