مايميز المجتمعات المنتجة أنها تملك تربية وثقافة العمل، ومقياس الإنتاج هو الوسيلة التي يتم بها تحديد الأجور، والقفزات إلى الوظائف العليا، وبنقص هذا الوعي عند المجتمعات المتخلفة تأخرت التنمية، وسبل الادخار، وتنظيم الوقت، وكثرت الشكاوى وأعمال العنف والفساد الإداري والاقتصادي.. مثلاً في مجتمع الوفرة لا يتم تدليل الطفل بتلبية كل رغباته دون ثمن، ولو كان صغيراً، كأن يُعهد إليه تشذيب وقص أشجار الحديقة، وغسل السيارة، والمساعدة على طلاء المنزل مع والديه، وحتى في دول مثل الفلبين وبعض دول أمريكا الجنوبية إضافة إلى المجتمعات المتقدمة، لا توجد المظاهر المنتشرة مثل الشائع في شوارعنا، أي أن صيانة المنزل جزء من وظيفة ثابتة، حيث التعلم في ورش الحي، أو المدارس المهنية التي تؤهل أفراد المجتمع بحيث يتقن كل فرد مهنة كهربائي، وسباك، ونجار، وحتى بعض الصيانة لأجهزة المنزل المختلفة، كما تجد ضمن (كراج) السيارة معدات لهذه الأغراض، في الوقت الذي لا نجد هذه الثقافة تعم مجتمعنا، لدرجة أنه في حدوث أي خلل ب "فيش" كهربائي، أو قطع سلك غسالة أو تلفون، أو انفجار ماسورة نركض للاستعانة بدكاكين العمالة التي تعلّمت كل شيء من خلال عجزنا، ولو عملنا بيانات لميزانيات الصيانة في كل بيت لربما اقتطعت جزءاً مهماً من ادخار العائلة صاحبة الدخل المتدني، أو حتى المتوسط، والأعلى.. هل من العيب أن نجد قطاعاً من شبابنا استطاع أن يتدرب ويذهب ليحل مكان الآسيوي في مختلف أحيائنا، سواء بعمل ما بعد الوقت الرسمي لوظيفته، أو أيام العطل؟ وهل لا زلنا نضع هذه المهن في بند الحقارة وتصنيفها على طبقة اجتماعية متدنية الأصول والأعراق في وقت نرى أسماء أبناء قبائل في العديد من المهن بما فيها الجزارة والحدادة، و(البنشر) وغيرها، ولو حدث أن خلقنا فرص عمل إضافية، واستغنت معظم البيوت عن عامل الحي الأجنبي، كم سنضيف إلى مدخراتنا وميزانياتنا؟ أيضاً هل يمكن الخروج من أسءر الوظائف ذات الرواتب المتدنية، والذهاب إلى أسواق البيع، ومراكز المحاسبة في الأسواق المركزية، والملابس، والخضروات ومحطات البنزين، ثم بعد التدريب على قبول أخلاقيات العمل الذهاب إلى المطاعم والمطابخ وورش السيارات، وقطاع البناء، والتمريض، والعديد من الوظائف المجدية، وندرك أنه في دول عربية قريبة، لا يفاجئك سائق (التاكسي) والحافلة وحتى الدهان والسباك، أنهم تركوا شهاداتهم الجامعية، ووجدوا في المهنة دخلاً مضاعفاً، بما في ذلك المهندسون الزراعيون، وأصحاب العلوم النظرية، حتى إن السباق على هذه المهن أصبح أهمّ من كاتب صادر ووارد، أو حارس منشأة ما أو فراش في وظيفة حكومية، أو أهلية..