في سياق التعاملات الإنسانية بمختلف محاورها وتشعباتها، يستوقفنا ذلك النوع من العلاقات الذي يبنى - عادة - خارج إطار المصالح التي تقوم على الود والصدق والصراحة.. في مواربه تبدأ من الالتباس والغموض.. وتصل لحد التكتم والسرية.. وهي تجتمع في علاقات تبدأ داخل الأسرة الواحدة.. وتشمل الصدقات والتعاملات التجارية.. وتنتهي في السياسات بين الدول ومصالحها التي قد تصل إلى الحروب ضد اصدقاء الأمس.. أو الى حد تفشي أساليب المؤامرات داخل الدولة الواحدة. هذا النوع من العلاقات الملتبسة يحتاج إلى مهارات وقدرات ومواهب خاصة تبدأ من قدرة الزوج مثلاً على اخفاء خيانته أو زواجه من أخرى.. وتدخل لعبة الموازنة بين الأصدقاء حيث يمكن أن يحصل كل صديق على ما يستحق من الثقة والتباسط والشكوى والاستعانة في الملمات.. وتعميق جذور الثقة باطلاعه على المناسب من الأسرار بما لا يضر بالعلاقة مع أصدقاء آخرين. كذا في مختلف التعاملات حتى نصل إلى شاشة التلفزيون لنستمع ونشاهد صور بعض ما دار في الخفاء بين الدول وداخل الدولة الواحدة.. التي قد نجد من مفاجآتها، بروز تلك الوجوه التي كانت في الصفوف الخلفية قبل أن تقودها علاقاتها الملتبسة وتجعلها تتصدر موقع القيادة.. ولنا في كل مادار على صعيد معظم السياسات العربية منذ الاربعينات حتى الآن أمثلة حية.. توضح بشكل جلي ما نود أن نذهب اليه. وبين الانتصارات والانكسارات.. تكمن اللعبة الحقيقية بين مفهومين.. هما: - الخديعة.. والذكاء! أما الذكاء.. فهو أمر صعب "حكايته حكاية عويصة.. سيبونا منها الله يخليكم". تبقى الخديعة الذي يتوهم الكثير من الناس انها لعبة الأذكياء.. وهذا غير صحيح على الاطلاق.. حتى في الحروب عندما نقول: - الحرب خدعة..! فهذا بالمفهوم التقليدي.. يعتمد على نوع وحجم وقوة العدو الذي تباغته خدعتك.. وليس على حجم ذكاء مبادرتك الخادعة.. لأن كل الحروب لم تحسم على أساس خدع الضربات المباغتة.. وكل الأراضي التي احتلت على هذا الأساس تحولت الى مقابر لغزاتها.. بعد ان استعادت الشعوب بعض عافيتها وامتصت كل آثار الصدمة الأولى. واذا كان الذكاء فطرة وهبة الاهية.. فإن الخديعة سلوك! لذا فإن التعامل مع أساليب الخداع وطرقه والتواءاته في القول والفعل.. يعتبر اسهل الف مرة من التعامل مع الدهاة والأذكياء. لأن المخادع يريد أن يسلبك ما ليس له.. وبقدر ما يسعى الذكي لتحريضك على الارتقاء بقدراتك الذهنية إلى مستوى يؤهلك لفهمه واستيعاب مبادراته التي يسعى لجعلك مشارك فيها دون خوف او تآمر أو ريبة.. فان المخادع - عادة - ما ينطلق من افتراض وحيد لا يحيد عنه وهو غباءك وعدم قدرتك على فهم دوافعه ونواياه. ولأنه يريد ان يأخذ منك ما ليس له.. فانه يبادر بايهامك انه سوف يمنحك ما ليس لك اولا.. ويزين لك المكاسب التي سوف تجيها مقابل الفتات الذي سيناله في مقابل استلطافه لك وحرصه على مصالحك.. لأنك كنت قد دخلت قلبه بلا "احم" ولا "دستور" في محبة خالصة ل "وجه الله". لن يكون الأمر وقفا على أمثال ذلك الساحر الأفريقي الذي يطلب منك "مئة" لتحصل انت على "مليون" بدلا من ان يحصل عليه هو ويحمي نفسه من الحاجة لامثالك. ولن يكون بمثل خدع صدام حسين الشهيرة التي ذهب ضحيتها كل من قدم اليه خدمة او ساهم بدفعه خطوة. لكن الأمر قد يصل الى ماهو ابعد من ذلك.. لأن من يسعى لمنحك ما لا تستحق لا هدف له في النهاية سوى الرغبة في الاستيلاء عليك أنت نفسك.. مقابل ايهامك بانه سوف يقدم لك على طبق من "وهم مريع" كل الوعود التي مضى يذكيها.. ويدفعك اليها بكل ما لديه من قوة كلما ثبت الى رشدك وهممت بالتراجع عنها.. - كيف حصل عليك.. يا أنت! لا تدري.. لكن في ملعب الأذكياء يتحول المخادع الى اضحوكة.. لانه يكون الوحيد الذي يسير بينهم عار كما خلقتني وهو يرتدي كل الثياب الجاهزة والمفصلة على مقاسه.. ففي ملعب الأذكياء يصبح كل الجشع أضحوكة.. لأن الذكاء ربما يكون مثل ذلك السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً.. فيواصل السير باتجاهه رغم يقينه بانه لن يصل. واذا سألته: - ياهو.. ياخو.. ين رايح!!؟ يقول بلسان دلق لزج: - عطشان.. أبغى اشرب..!!