يحكى أن الأرنب ذات يوم وجدت ثمرة فالتقطتها، فاختلسها الثعلب منها وأكلها، فانطلقا يختصمان الى الضب فقالت الأرنب: يا أبا الحسل (كنية الضب)، فقال: سميعاً دعوت، قالت: أتيناك لنختصم إليك، قال: عادلاً حكمتما، قالت: فاخرج إلينا، قال في بيته يؤتى الحكم، قالت: إني وجدت ثمرة، قال: حلوة فكليها، قالت: فاختلسها الثعلب، قال: لنفسه بغى الخير، قالت: فلطمته، قال: بحقك أخذت، قالت: فلطمني قال: حر انتصر، قالت: فاقض بيننا، قال: قد قضيت. انتهى. فالضب الذي استطاع وهو في حالة استرخاء وقيلولة منعتاه من الخروج من جحره (في بيته يؤتى الحكم) أن يحل النزاع القائم بين الأرنب والثعلب بذكاء فلم يضيع وقته بالاستماع أولاً ثم البت في قضية تعتبرها الأرنب مصيرية بل أدمج الحكم مع الاستماع دون إدراك من المشتكي والمعتدي المذنب وهو الثعلب لم ينبس ببنت شفة لأنه ربح القضية. في كثير من القضايا الإدارية نتوق الى حكم سريع كحكم الضب بل نقيضا لذلك يتلذذ من بيده القرار أن يضيف الى أجلها المسمى عمرا آخر رافلا بالتسويف والانتحار البطيء. ومما يزيد الطين بلة أن من يتبنى هذا النهج في معالجة مثل هذه القضايا لديه قناعة أن هذا هو عين الصواب وأن التأني في البت فيها (أي الانتحار البطئ) هو فن في الإدارة لا يوجد إلا عند الموهوبين. عندما تضطر الى مقابلة هذا النوع من المسؤولين تتزاحم في ذهنك أفكار كثيرة لها صفة التناقض والتردد يتخللها شعور بالخيبة وعدم الجدوى بل ربما يتعدى ذلك الى أن في مقابلته إراقة لماء وجهك والشعور بالقلة وخدش للكرامة. وعندما تنتصر على تلك الأفكار ولو مؤقتا تعطى موعدا لمقابلته دائما ما يكون بين لقاءين له مهمين حتى يتسنى له إنهاء مقابلتك وطردك من مكتبه بعذر متى شاء. تلقي التحية عليه وهو واقف يتحرك بخطوات غير هادفة ولا ينظر إليك بل عيونه على الأوراق والمعاملات المتراكمة على مكتبه كأنها كثبان رملية ويده تعبث بها تظاهرا بأنه يبحث عن شيء مهم. ثم يجلس وقد نسي أن يأذن لك بالجلوس فدخولك أربكه خوفا من أن تكون قضيتك غير قابلة لحلوله التسويفية. تشرع بسرد قضيتك وهو بذكائه المميز عرفها جملة من مقدمتك البسيطة وسرعان ما يقاطعك ليسرد هو بطولاته وكيف واجه قضايا معقدة وحلها بهدوء تام دون تركها تتفرع وتجرف حين فيضانها الكثير ممن لا علاقة لهم بها. تلي ذلك دروس مثالية يلقيها عليك فتشعر أنك أنت المذنب وأن مجيئك إليه دليل على ضعف شخصيتك وعدم قدرتك على حل قضاياك ومشاكلك في عملك. تحاول أن تصحح مفهومه عنك ثم يقاطعك ويسترسل بالكلام مراوحا بين التحدث عن نفسه كبطل من أبطال التاريخ وبين إسدال النصح إليك كأنك طالب في المرحلة الابتدائية. تتكرر محاولاتك الفاشلة بتصحيح مفهومه عنك وطرح القضية بصورة أفضل من الأولى علها أن تجد منفذا في ذهنه لكي يفهمها ويبت بها وهنا تساوت الحلول الايجابية او السلبية فالمهم لديك هو البت بها وعدم تركها معلقة. يختم لقاءك معه بالوقوف خلف مكتبه إشارة على انتهاء المدة التي منحها لك تفضلا وتعابير وجهه توحي لك بأنك قد ضيعت وقته الثمين بقضية سخيفة كصاحبها. تخرج من مكتبه وقد جنيت من لقائك حفنة من النصائح المفلسة والمضحكة أيضا حتى لطالب الابتدائية الذي يحصل على أفضل منها من تصفح للشبكة العنكبوتية. أضف الى ذلك ما يتبقى في نفسك جراء لقائك معه والشعور بالخيبة لأنك أهنت نفسك بالمثول أمامه والسماع الى ما يقوله وكذلك أسفك على تولي مثل هؤلاء لمناصب مهمة في بلدك وأنهم حقا من العوائق التي يجب أن يتخلص منها لدفع دفة التطوير قدما. أخيراً كم منا يتمنى أن يكون من يحكم له في قضاياه الحياتية ضبا يتمتع بتعسيلة القيلولة ولا مسوفوا تعود على قتل القضايا بالتمييع والوقت اللامحدود.