الكتابة صحفية كانت، أو مشروع تأليف كتاب أو بحث، تعتبر مغامرة غير محسوبة النتائج، وهي قضية من يؤمن بالتزام الكلمة وصدقها وحدود تأثيرها، أما من يكتب، وهو لا يحترم مسؤولية الكتابة ليبقى خارج القبلات والكلمات، فهو مجرد ناقل صورٍ باهتة، وطبيعي أن يكون خارج اهتمام القارئ، وطبقات المجتمع الأخرى.. الكاتب، باعتباره ضمير نفسه ووطنه فهو ليس حراً بمقاييس تعريف هذا المفهوم عندما يتخذ خطاً مخالفاً للحقيقة، والمواقف الواضحة ليصبح محامي الشيطان والمتكسب من عثرات الناس أو التجني عليهم، في نفس الوقت ليس الممر السهل لتزييف الحقائق، إذا كانت أخلاقية الكلمة تأخذ معيارها من شرفٍ التزم به، والكاتب المقبول، أو المرفوض قد يكون المغامر باسم المبادئ الواضحة، لكنه حين يكون متكسباً مخادعاً، على حساب الموضوعية والصدق، فإنه لا يقل جناية عن قاطع طريق أو سارق أموال اليتامى، ولعل إيجابيات الكلمة التي تصل الآخرين، لا تأتي من بلاغتها، عندما يحيطها الكاتب بمعميات، أو مصطلحات مبهمة، وغير مفهومة، ومثل هذا التلاعب نجده عند غالبية السياسيين ممن يحترفون مبدأ "الغاية والوسيلة" ومع ذلك إذا كان النضج الاجتماعي لديه قوة الفرز بين الألوان، وما خلف الكلمات، فهو جهاز الكشف عن الكذب والتدجيل.. الاهتمام بالقارئ ليس ترفاً، ومعيار أن تكتب أمر سهل لمن يملك الأدوات بطرح الفكرة، أو عرضها بتحليل قد يتناسب مع الموضوع، ولكن أن تكون صاحب المسؤولية عن أي تبعات تنشأ من احتراف هذه المهنة الصعبة، يوجب أن تصبح المحكوم والمحاسَب من قضاة الرأي العام وأحكامهم، والكاتب ليس نجماً، وإن أعطاه البعض هذا التميز، وقد يكون حقاً مكتسباً له إذا كان صدقه ومواقفه يعطيانه الشجاعة للوقوف على الحق مهما كانت النتائج، لكن بدون تهور أو مغامرة، ولا ننسى أن بيئة الكاتب هي صانعة مجده، أو سجنه، أو تناسيه، وحين يكون ناقدك ومعارضك على نفس الدرجة من المسؤولية، فإن الخطأ القاتل أن تضعه في مركز الخصومة والعداء، لأنك تبقى تلميذاً صغيراً أمام التجارب الكونية ومدارس الحياة.. وإذا كانت الكلمة تقتل، وتسجن، فإنها أيضاً خط التواصل في الدفاع عن حرية المعتقد، والوطن، وشرف الإنسان وقيمه والدفاع عن حقوقه والمظالم التي يتعرض لها، والتحدي الأكبر أن تظل متوازناً مؤمناً أنك تخاطب من يملك قرار منحك الوسام المعنوي، أو يسقطك من حسابات النجاح.. هناك من صوّر الكاتب بطلاً، وهذا صحيح في ميادين محدودة عندما يُقتل في تغطية معارك أو الدفاع عن حق عام أو مصادرة حرية الإنسان، لكنه النقيض تماماً عندما يأخذ مهنته سمسرة، أو تزييفاً، أو يكون سلبياً تجاه الحق والحقيقة، وجباناً في موضوعية ما يكتبه ويطرحه.. ويبقى الكاتب إنساناً تختلط فيه وتتمازج قوى الخير والشر، وأي منهما انتصر على الآخر، كان الحق والباطل في داخله في حالة صراع طويل، وعندها يمكن فرز سلوكياته عند مجتمعات تملك المحاسبة الصعبة، ومن هذه الأسباب تأتي الكلمة خطيرة ومدمرة، أو صانعة تاريخ وقيم.. كبرياء الكلمة في تواضع مولّدها وكاتبها، أما من يتعالى عليها، أو يضعها في حساب انعزاليته وغطرسته، فهي حبل المشنقة الذي يعدم كل أفعاله وسلوكياته، وما بين الكبرياء والتواضع يتكافأ الإنسان فيما يعطي ويأخذ، وهي المعادلة الصعبة في مشروع الحياة..