أشاد عدد من المثقفين والأكاديميين والمهتمين بقضايا الحوار، بالمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي تعقده رابطة العالم الإسلامي بمكةالمكرمة، برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - ودوره البارز في خدمة القضايا الإسلامية والعربية على الصعيد العالمي، والتي يأتي من ضمن هذه الاهتمامات المتواصلة المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار. الأستاذ زكي الميلاد تحدث عن هذا المؤتمر قائلا:عندما نتحدث عن موضوع المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار فلابد من أخذه من جانبين ، الجانب الأول:ما قبل الحوار، وهذا البعد لابد من تناوله من محورين الأول: من المفترض أن الحديث عن أهمية الحوار، وقيمته أصبح من الأمور الواضحة البينة التي لا تحتاج إلى مزيد من التأويل والتأمل وإعادة النظر، فالتطرق إليها أصبح حاليا من قبيل التكرار، ومقارنة بما وصل إليه الحوار مع الآخر لدينا، فلم يعد الحديث عن أهمية الحوار يضيف جديدا في هذا الجانب، خصوصا عندما نناقش مسألة كهذه لدى المهتمين بالحوار لأنها مسألة من المسلمات، ومن هنا ينبغي علينا في مناسبة عالمية كهذه أن نتجاوز ما سبق وقطعه الحوار من أشواط، خصوصا في مسائل تأصيل وتقعيد الحوار، أما المحور الثاني في هذا الجانب فهو:الاهتمام والتركيز على تحديد صورة الحوار، من خلال مساره الذي يهدف إليه فإما أن يكون مع الآخر من جانب إسلامي باتجاه حوار الأديان، أو أن يكون حوارا مع الذات، وهو هنا ما يمكن أن نسميه:حوار إسلامي إسلامي، كحاجة أولى ملحة في ظل التغيرات والمستجدات العالمية، وهذا في رأيي ما يؤكده بعض المستجدات الراهنة في عالمنا الإسلامي. ويمضي زكي قائلا:ما يجب الاهتمام به والتركيز عليه بعمق هو: ما بعد ملتقى الحوار، فيجب ألا تنتهي مهمة الحوار بانتهاء مدته الزمنية، أو تتلاشى بعد انقضائه بفترة ما، لأن المهمة في هذا الملتقى تبدأ بشكل حقيقي مع انتهاء المؤتمر لتفعيله كرسالة وكقضية عالمية، تظل الحاجة إليها قائمة وملحة يوما بعد آخر، ومن ثم فلابد هنا من البحث عن الوسائل والطرق والأساليب، والاستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى لتحقيق ما يصبو إليه هذا الملتقى العالمي. أما الدكتور، علي بن حمد الخشيبان فتحدث عن هذا الملتقى الإسلامي العالمي بقوله: فكرة حوار الأديان فكرة رائدة دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز- يحفظه الله - ومن خلالها سيستطيع الأفراد من أتباع الأديان فهم الكثير من نقاط التوافق التي تجمعهم مع الأديان الأخرى الموجودة على الأرض، وهذا بالتأكيد سيقرب الكثير من الأفكار التي كانت متباعدة بين أتباع تلك الأديان. وما تقوم به رابطة العالم الإسلامي خلال هذه الفترة من تنظيم عالمي لحوار بين الأديان يشكل انطلاقة حقيقية نحو إبراز عالمية الدين الإسلامي وقدرته الفكرية فالدين الإسلامي هو دين محبة وسلام كبيرين وهذا ما يجعله مؤهلا للتحاور والالتقاء مع جميع الأديان في العالم اجمع. ويضيف د.حمد: بأن فكرة الحوار التي تتبناها رابطة العالم الإسلامي سيعود أثرها بالتأكيد على المسلمين أنفسهم فما مر به العالم خلال السنوات الماضية من أحداث أقحم فيها الإسلام بطريقة سلبية جعل الحاجة ماسة إلى تقريب كبير بين الأديان العالمية وجعلها تسير في مسار واحد من حيث التوجه دون المساس بالأصول والقواعد المنظمة لتلك الأديان. وأضاف د.الخشيبان قائلا:إن العالم بحاجة ماسة إلى نبذ التطرف والعنف وخصوصا ذلك العنف الذي يستخدم الأديان السماوية كمصدر ومبرر لأعماله المشينة، العالم اليوم بحاجة ماسة أيضا إلى توعية أتباع الأديان إلى تلك القضايا الكثيرة التي تشترك وتسعي الأديان السماوية إلى تحقيقها وهذا لن يتحقق بمجرد الآمال والطموح، فلا بد من لقاءات وحوارات فكرية تنسق ويجتمع لها الكثير من العلماء والمهتمين. إن فكرة الحوار يجب أن يفهمها العالم كما هي فهي لا تعني أبدا ذوبان الأديان في بعضها بقدر ما تعني فهم الأديان لبعضها ورسالتها، وهذا سوف يساهم وبشكل ايجابي في رفع الوعي العالمي ونبذ الأفكار الداعمة للعنف وصراع الأديان. وقال د.ابن حمد:بأن الأساسات التي تنطلق منها الديانات العالمية نحو عبادة الخالق تشكل قاعدة أساسية لدعم الحوار بالإضافة إلى مخاطبة العقل البشري لصيانة الأديان العالمية السماوية وحفظها من العبث وتقدير المنافع التي ستتحقق بالحوار من خلال المحافظة على تلك الأديان من الذوبان في خضم التحولات العالمية الفكرية فالدين الإسلامي وهو الدين الذي بدأ بالتوحيد وشرع المحبة والإخاء بين المسلمين هو الأجدر بقيادة فكرة الإخاء بين الأديان العالمية والحوار بينها فما سجله لنا التاريخ من سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم تعكس أعلى مبادئ الحوار مع الآخرين وتفهّم دورهم فالرسول الكريم كان سباقا إلى توجيه صحابته والمسلمين إلى عدم الإساءة إلى أبناء الديانات الأخرى. واختتم د.الخشيبان حديثه بقوله: كل تلك القيم الحقيقية للإسلام تجعل المسلمين قادرين على الاستفادة من تاريخهم المسطر بالتفهم للآخرين، وفتح حوار ليس فيه هضم لحق من حقوق الأديان الأخرى بقدر ما فيه من رسم خطوط مشتركه تساهم في تقليص الفجوات وتقرب بين البشر وتحدد وجهتهم بشكل مباشر، لذلك فإن ما تقوم به رابطة العالم الإسلامي من ترجمة لدعوة خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بالبدء في مسار يحقق منهجية تتحاور فيها الأديان، كل ذلك إنما يدل على الأهمية الملحة التي يراها حفظه الله من ضرورة تقديم الوجه المضي والحقيقي للديانة الإسلامية وهذا بالتأكيد هو انطلاق من دور المملكة كبلد يحتضن الحرمين الشريفين. أما الدكتور عبدالله البريدي، فقد علق على هذا الملتقى العالمي، من منظور المدخل الحضاري في الحوار باعتباره المفتاح وذلك بقوله: أحسب أن المؤتمر العالمي للحوار الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي برعاية كريمة من لدن الملك عبدالله - يحفظه الله - مبادرة تاريخية وفكرة ذكية في وقت حرج، فالساحة الدولية ملبدة بعوامل ومتغيرات تدفع العقلاء في كل مكان إلى أن يتنادوا إلى كلمة سواء ويفصحوا عن إيمانهم بقيمة الحوار انبثاقا من الحقيقة العنيدة التي تقرر لنا بأن الفعل الإنساني يتسم بالتنوّع والاختلاف، تنوع في منظومة العقائد والقيم والعادات، واختلاف في أنماط التفكير وسمات الشخصية وخصائص المزاج العام، مما يقودنا إلى الإيمان بحتمية الحوار، حوار الإنسان مع ذاته وحواره مع القريب والبعيد. وقال د.البريدي:الحقيقة أن جوهر الحوار واحد، سواء كان الحوار بين طفلين حالمين في غرفة صغيرة أو بين عملاقين سياسيين في قمة كبيرة أو بين ثقافتين مؤثرتين في ساحة تثاقف حضاري، الحوار هو هو لا يختلف من حيث الجوهر باختلاف الأطراف المشاركة فيه، ويتأسس المدخل الحضاري - الذي نرجو أن يتم مثل ذلك الحوار داخل إطاره - على مسلمة أن الحوار العقلاني وحده هو القادر على تسكين الألم الثقافي والاجتماعي ونزع فتيل الصراع والتصدع السياسي والعسكري، والمدخل الحضاري يقر بوجود اختلافات في دوافع كل طرف في الحوار، حيث تتلّون في موجة طيف Spectrum تبدأ بالقيمي الأخلاقي الخالص وتنتهي بالذرائعي البرغماتي الخالص وتمر بقيمي ذرائعي بأقدار متفاوتة ونسب متباينة. والحوار القائم على الذرائعية البرغامتية المطلقة أو شبه المطلقة له خطورته البالغة على نزعة التحضر في المجتمعات، نظراً لتأثيره السلبي على فعالية الحوار وأخلاقياته ونتائجة وديمومته وأثره في إرساء الأمن الاجتماعي والسياسي والتثاقف الرشيد، الذي لا يلغي الخصوصية ولا يروم التنميط الثقافي أو القولبة الحضارية وفق رؤية كلية خاصة تحاول أن تفرض نفسها كرؤية كلية. وأكد د.البريدي على المدخل الحضاري إلى التأكيد على حقيقة أنه ليس شرطا في الحوار أن يقتنع بعضنا بما لدى الطرف الآخر ولا أن يتنازل عن ما يعتقد أنه حق، كما يكرس المدخل الحضاري لمبدأ هام وهو: (كوكب الأرض يسع الناس كلهم، وماؤه يرويهم، وغذاؤه يكفيهم)، كما يؤسس لقواعد هامة تتلخص في:أن أرضاً ليست بأرضك تحتاج إلى هندسة غيرك!وأننا نحتاج إلى الحوار لنتعايش معاً بسلام و لنختلف ونتحاور دائماً والعبرة والغلبة لمن يملك الحجة والبرهان (قل هاتوا برهانكم). كما أكد د.عبدالله بأنه لا بد من التأكيد على أن حوارنا مع الآخر (ثقافياً وحضارياً) تكتنفه صعوبات متعددة، ويعوزه القفز فوق حواجز خرسانية وزجاجية في ميادين كثيرة؛ في مباحث العقيدة والفلسفة، وجدليات القيم، وأطماع الاقتصاد، ومفاصل التاريخ، وتوسعات الجغرافيا!! ... مما يؤكد على وجوب مراعاة جملة من الأمور بكل دقة وذكاء والتزام من قبل أطراف الحوار. من ذلك، أن دفة الحوار لدى أطرافه يجب أن تكون دائماً بيد المثقفين والمفكرين والساسة والاقتصاديين العقلانيين، أولئك العقلانيون - بخلاف الدوغمائيين - الذين لا يتحولون إلى قدور تغلي بسخونة الحدث الراهن ولا يستحيلون إلى وقود للدهماء ونار للعداء، مهما كانت ملابسات الأحداث ونتائجها، وإنما ينفعلون وينشطون أبداً باتجاه ما يخدم الحوار ويثريه ويديمه ويطيب ثمرته ويقضي أو يحد من التجاوزات الثقافية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والنظامية سواء كانت تلك التجاوزات والخروقات من قبل هذا الطرف أو ذاك، بكل النزاهة والإنصاف والتجرد الممكن. واختتم د.البريدي قائلا: يتأسس على ما سبق القول بأنه لا يجوز أن تسند مهمة قيادة الحوار لكل مثقف أو مفكر أو فيلسوف أو قائد ما لم تتصف روحه بالإنصاف والتوسط في التفكير والتقييم، وما لم يتوفر على قدر كبير من الاعتدال في النظرة والمزاج تجاه الآخر، وقيادة أرباب المنهج والاعتدال والعقلانية للحوار بيننا وبين الآخر، يجب أن تكون مدعمة من قبلنا ومن قبلهم على حد سواء بمقومات كثيرة، منها الجانب المالي والقانوني والتنظيمي، إذ يتوجب علينا جميعاً دعم الممارسات النقدية المنهجية والجهود البحثية في مجال التثاقف بالموارد الكافية، بشرياً ومالياً ومادياً، كما يجب على طرفي الحوار المبادرة في تأسيس المنظمات والمؤسسات الدائمة التي تعنى بالحوار مع الآخر ونشر ثقافته لدى مختلف الشرائح، مع ما يتضمنه ذلك من خلق وتغيير الاتجاهات، لاسيما داخل المحيط الذي يسود فيه التعصب الفكري أو الديني أو القومي أو العرقي لدى طرفي الحوار، ولعلنا نتفاءل بأن هذا الحوار سيدفع بالعربة إلى الأمام. أما الدكتور صالح بن عبد الرحمن المانع فقال:دأبت حكومة المملكة على اتخاذ الحوار منهاجا لها، فبدأت بتبني فكرة الحوار الوطني، ثم تطور هذا المبدأ ليأخذ منحنى إسلاميا يقرب بين المذاهب الإسلامية، ومن ثم ليصبح حوارا حضاريا بين أتباع الثقافات والأديان السماوية المختلفة. وأضاف د.المانع قد يتساءل المرء لم عمدت المملكة إلى تبني دبلوماسية الحوار كأساس لعلاقات مجتمعية داخل البيت الإسلامي الواحد، وما تشهده الأمتان الإسلامية والعربية اليوم قد ينتج عنه أوضاع متردية - لا قدر الله - سواء على مستوى النسيج الداخلي أو الخارجي، مما يفرض التنبه على هذه الأوضاع من قبل قادة العالم العربي والإسلامي وعقلائه وعلمائه ورموزه السياسية. واختتم د.صالح حديثه قائلا:إن هذا التواصل الإسلامي العالمي الذي يعقد في ربوع مكةالمكرمة، لوحدة إسلامية بين أبناء الأمة الإسلامية، وصولا إلى رسالة إسلامية عالمية من خلال رسالة الحوار، رسالة المحبة والسلام، التي تكون بمثابة الصرخة في وجه كل من يريد أن يفتت عضد المجتمعات الإسلامية والعربية، ليكون الحوار اليوم مجالا رحبا وخصبا للخروج من الكثير من الأزمات على مختلف المستويات.