إننا نعيش في عصر بزغ فيه الخلاف وخيم عليه النزاع، فتفرق الأصحاب وتقاطع الأصدقاء والأحباب فأضحى الهجر والبعد واثباً مكان الألفة والحب. فكل طرف يدعي امتلاكه لنصاب الحق ورايته، ويتهم (الآخر) بالخبث والدهاء والمكر والخديعة بالاضافة لسوء النية مع الحقد والحسد. وكنتاج طبيعي لهذه الخصال تولدت "البغضاء". وهكذا استمر الحال على هذا النسق دون وجود أرضية علمية سليمة للحوار البناء الهادف، ودون وجود أطراف خير وحمائم سلام تنهض عند كل خلاف لتردم الصدع وتسد الثغرات. يروي أحد الشباب قصته قائلاً: لقد خسرت الكثير من الأصدقاء والأحباب، كنت انظر إليهم بعين الشك والريبة، فكلما خالفني أحدهم برأيه نظرت إليه نظرة رهبة وخوف، فهو يخشى من تفوقي ونجاحي ويغار من تحليقي مع المبدعين في أفق النجاح والتميز، في حين ما يزال هو متسمراً مع القاعدين والخاملين. ولم أتقن فن الاستماع فحين استمع إليهم تراني أفكر بتصيد زلاتهم وتناقضاتهم لأفاجئهم بالرد المفحم والبرهان القاطع. لذا لم أتمكن من تفهم آراء أو إدراك أبعاد وجهات نظرهم. وكثيراً ما كنت اتجاهل توجيهاتهم بأهمية التفريق بين الفعل "الرأي" والفاعل "صاحب الرأي" فاختلافي مع رأي أحدهم لا يعطيني الحق في التقليل من احترامه. وكما يقول الإمام الشافعي "ما حاورت أحداً إلا تمنيت أن يكون الحق إلى جانبه" في بحث بناء عن الحق والصواب مهما كان المصدر والوعاء. لقد أدركت بعد هجر الرفاق وتباعد الخلان أن "خنجري" الذي طالما تمسكت به وهو "عدم الرضوخ لهم أو الاعتراف بأخطائي تجاههم" لم يكن - كما اعتقدت - مصدر قوة لي أو أمان لشخصيتي وهيبتي لأنه ما لبث أن ارتد إلى قلبي في طعنة قاتلة خسرت معها كل من حولي. وتذكرت حينها - بعد فوات الأوان - مقولة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - "أخطأ عمر وأصابت امرأة". باحث في التفكير الإبداعي