شكلت قضية عمل المرأة وإيجاد البيئة المناسبة التي تعينها على أداء دورها الاقتصادي والاجتماعي، محورا أساسيا من محاور الدراسة الهامة التي تصدرت قضايا الدورة الثالثة لمنتدى الرياض الاقتصادي بعنوان (البيئة العدلية ومتطلبات التنمية الاقتصادية). فقد استنتجت الدراسة وجود مشكلات عميقة متعلقة بشؤون عملها والبيئة التي تعمل فيها وضعف مشاركتها في مشاريع الأنظمة والسياسات المتعلقة بها، ولوائح ونظام العمل والخدمة المدنية، والتوظيف والترقي، والأجور والوظائف المماثلة في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الحاجة لتأمين سلامتها وحمايتها في بيئة العمل ووجود قيود على ممارستها لبعض الأنشطة الاقتصادية، فضلا عن حاجتها لتأمين سرعة وسرية معاملاتها في القضايا المتعلقة بشؤونها أمام المحاكم وكتابات العدل وعدم قدرة سيدات الأعمال على إنهاء الإجراءات الخاصة بهن لدى الجهات الحكومية والأهلية. وشكلت مبادرة منتدى الرياض أول عمل مؤسسي من نوعه يطرق هذا الموضوع بالكيفية العلمية والمنهجية التي شخصت بها الدراسة هذه القضية الحيوية، ولم يمض وقت طويل حتى أدركت نتائج هذه الدراسة ومقاصدها إلى مراميها ومواعينها العليا حينما بادر مجلس الشورى الموقر بتبني عمل مستقل نحو تشكيل فريق من أعضائه يعاونه مختصون وقانونيون لإعداد مسودة مشروع نظام لحماية المرأة من التحرش الجنسي والعمل الفاضح أثناء أدائها للعمل، فقد وجه معالي رئيس مجلس الشورى الدكتور صالح بن حميد لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بسرعة إصدار مسودة تشريع ونظام يحمي حقوق المرأة العاملة مؤكدا وجاهة وجدوى فكرة إصدار النظام وحاجة المجتمع لها على أن تتضمن الزي الرسمي المحتشم. ومن اليسير هنا تحسس الارتباط الموضوعي بين ما دعت إليه دراسة منتدى الرياض والمسعى العملي المبارك الذي ذهب إليه الشورى في هذا الشأن، فقد تقدمت الدراسة باليات نحسب أنها سوف تساعد كثيرا الجهات التي أوكلت لها هيئة الشورى بإعداد مشروع النظام، خاصة وأنها قد بينت الرؤية والبيئة القانونية بمساهمة نخبة من أميز القدرات في هذا الميدان. أما الآليات الموصي بها في الدراسة فتتمثل في :- @ ضرورة الإسراع بتفعيل الفقرة في قرار مجلس الوزراء المتعلقة بإنشاء لجنة وطنية عليا دائمة ومتخصصة في شئون المرأة وربطها تنظيميا بمجلس الوزراء أو المجلس الاقتصادي الأعلى، على أن تخصص للجنة ميزانية مستقلة وان يناط بها متابعة تنفيذ القرارات المتعلقة بتفعيل عمل المرأة وتنمية مساهماتها الاقتصادية. @ سرعة إجراء دراسة فقهية دقيقة لتحديد نطاق عمل المرأة ومشروعيته - وهذه كانت احدى التوصيات التي توصلت لها الدورة الأولى للمنتدى أيضا. @دعت الدراسة إلى إقرار تنظيم يتضمن ضوابط للتعامل بين الجنسين في أماكن العمل المشتركة. @ كما دعت لتنظيم عمل المرأة عن بعد أو بشكل جزئي لبعض الوقت توسيعا لفرص عملها ومساهمتها في قوة العمل. أما على صعيد المشروع الذي يولد الآن في كنف الشورى فقد علمنا انه يحمل ذات المقاصد ويمضي قدما إن شاء الله بما بدأته دراسة المنتدى نحو غاياتها المشتركة، فقد اطلعنا مؤخرا على الإطار الذي وضعه الفريق المكلف لمسودة النظام وتعريفه لأنواع التحرش والحالات التي تدخل في نطاقه ومسؤولية صاحب العمل ودوره في منع وردع أفعال التحرش التي ترتكب في جو العمل وتحديد الإجراءات والعقوبات الإدارية الخاصة بذلك لحل وتسوية ومقاضاة أفعال التحرش، وتحديد الجهات المختصة بالنظر في أفعال التحرش والعقوبات المطبقة. ويرى القائمون على إعداد مشروع النظام بان التحرش المقصود في النظام سيشمل جميع الكلمات أو الإيماءات أو الحركات التي قد تؤذي وتقلق أو تسيء إلى شخص آخر سواء كان رجلا أم امرأة، وانه أيضا سلوك مرتبط بحركات أو تلميحات جنسية غير مرغوب فيها تسبب الشعور بعدم الراحة أو الاهانة أو الضغط النفسي للشخص الذي يقع عليه مثل هذا الفعل. ويميز مشروع النظام التحرش الجنسي بأنه فعل يوجه لشخص آخر بغرض الحصول على خطوة ذات طبيعة جنسية، آما التحرش الأخلاقي فهو سلوك متكرر موجه لشخص آخر يقصد منه أو يقود إلى تدهور ظروف هذا الشخص في العمل مما يضر بحقوقه أو بكرامته أو يؤثر على صحته. ومن البديهي أن ينظر مشروع النظام كما تداولته بعض الوسائط الإعلامية إلى التحرش ليس كعمل أو سلوك موجه ضد المرأة وحدها وإنما لكي يعالج كل عمل من نوعه يوجه لكلا الجنسين. وقد جدد قانونيون ونافذون داخل مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي التأكيد على أهمية هذه القضية في مجتمع محافظ كمجتمعنا والحاجة إلى سياسة تحد وتمنع التحرش في بيئة العمل ودعوا إلى الإسراع في إصدار النظام الذي يضبط علاقة المرأة بالرجل في بيئة العمل ورصد وزجر أي سلوكيات أو أفعال تدخل ضمن التحرشات بها يضمن سلامة العاملين والعاملات.