لعل ما جعلني أخوض غمار الكتابة في هذه الزاوية ما نجد فيها من مساحة كاملة نستطيع من خلالها التعبير عن ذواتنا وعن واقع ما نتعايشه من أحداث لم نستطع أن نعطي لأنفسنا الحرية لنهتم فقط في مسار واحد وذلك بما أملته علينا أصول المهنة من نقل الحدث وخلق الحدث أيضاً في قالب يوضح وينقل الرأي الآخر فيما أيضاً قد يخلق رأياً عاماً دون توضيح لرؤيتنا الشخصية رغم تلك الأحداث التي تتوالى وتنساب أحرفها من بين أيدينا لنضعها أمام قراء الصحيفة ونحن في انتظار حلول تلك الأحداث وما مدى التفاعل معها.. من هنا انفرد برأيي المتواضع حول حدث استوقفتني منعطفاته خلال معايشة عدد من الشخصيات التي تنسب لأنفسها الأدب مع صراخ حول إطلاق مسمى الأديب على شخصياتهم خلال اللقاء بهم وهذا ما جعل البعض يترنم في عدد من النوافذ الإعلامية تحت مسمى الأديب أحياناً وأحياناً مهتم بشؤون التاريخ وأحياناً محلل اقتصادي ولم ترس تلك الأوهام التي يحملها على بر لمسماه. وهذه الشخصية كانت قريبة جداً مني وكنت قد عايشتها كثيراً لأكتشف مؤخراً ثقافته الأدبية تلك أنها لم تتجاوز كتب مناهج مدرسته التي كان يعمل بها وأيضاً الأحداث التاريخية التي لم تتجاوز حدود منطقته وذلك من خلال نقاشاتنا العديدة مع ذلك الأديب وهذا ما جعلني أقول هنا: إن الإنسان هو موضوع الأدب وغايته، فما مصدر هذا الأدب الآن؟ هل هو الواقع الذي نعيشه؟! والأديب هل هو المبدع الذي يعيش الواقع ويتفاعل معه؟!. فمحتوى الأدب هو الوحدة العضوية المتماسكة التي تتمثل في انعكاس الواقع في ذات الأديب، وهذا الانعكاس يتم من خلال عملية معقدة هي حصيلة فهم الأديب للواقع وظروفه التي يعيشها وتجاربه وخبراته المختزنة في ذاكرته. أما من جهة التلقي فإن الواقع الذي يصوره الأدب لا يمكن فهمه أو إدراكه كما هو في الواقع أو كما يبدو في الأدب وإنما من خلال تجربة المتلقي الخاصة، والظروف المادية التي تحيط به ومن خلال مفاهيمه عن الخير والشر أيضاً فصورة المطر مثلاً في قصيدة "أنشودة المطر" للسياب لا تعكس الواقع الطبيعي كما هو على الإطلاق وإنما تعكس هذا الواقع من خلال رؤية الشاعر له وهي رؤية محكومة بالعواصف والمشاعر والانفعالات التي يعيشها الشاعر لحظة الإبداع. إن هذا المحتوى الذي يقدمه الأدب ليس رؤية موضوعية مجردة للواقع، إنه نتيجة للتفاعل بين الواقع الموضوعي وبين ذات الأديب وموقفه من الحياة، والفهم الحقيقي لمحتوى الأدب ولعلاقته الوثقى بالواقع هو السبيل الوحيد لتوضيح العلاقة بين الأدب والمتلقي. إن واقعنا هذا الذي نعيشه هو شبكة علاقات معقدة، والإنسان هو فرد في خلية ضخمة هي المجتمع وقدرة الإنسان على اكتساب المعارف والخبرات محدودة بالزمان والمكان ولا بد له لإثراء معنى وجوده من رفد معارفه وخبراته بإطلاعه على تجارب الآخرين، ويشكل الأدب أفضل رافد لنا في زيادة الخبرة، وهو لا يقوم بهذه المهمة فقط وإنما يساعدنا أيضاً على التحرر من موقفنا الذاتي الخاص في فهمنا للحياة والتعامل مع الآخرين عندما يقدم لنا مواقف الآخرين التي تختلف عنا ويدعونا إلى التفكير بها لنكتشف غنى الحياة وتعدد المواقف الإنسانية فيها. وهكذا فإن الإنسان هو موضوع الأدب وغايته بل هو موضوع الفنون كلها. دون أن يحتاج لذلك الإعلان بأنه أديب ولديه كشكه العامر بتلك المناهج..! وهذا ما آل إليه تعريف لفظ (الأدب) في اللغة العربية بأنه يعني الظرف.. والتهذيب.. وترويض النفس على الأخلاق والفضائل.. أما مفهوم الأدب في الاصطلاح العام فإنه يعني الكلام الجميل المعبر عن عاطفة أو غرض من الأغراض المعروفة في فنون الأدب شعره أو نثره تعبيراً يتماشى مع أصول البلاغة المتعارف عليها.. والأديب أيها الأديب هو الشخص المثقف المتضلع باللغة وفنونها وطرق عرض الصور والمعاني والأفكار على أساليب رفيعة تطرب النفس وتنعش الحس. @ محرر صحفي بمكتب أبها