يشهد العالم العديد من التطورات السياسية والقانونية والتكنولوجية المتلاحقة وبالرغم من هذه التطورات المختلفة إلا أن الدول العربية مازالت تعاني من الكثير من المشاكل التي تفوق دون تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف ومن هذه المشاكل: الفساد الإداري، والمالي، وممارسات غسيل الأموال. والفساد يعني الخلل والاضطراب والتلف، وإلحاق الضرر بالأفراد والجماعات، وهو ناشئ عن سلوك الإنسان وحده مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) فإذا انتشر الفساد بين الافراد، فسد المجتمع ككل ويصبح مضطربا ويسهل السيطرة عليه من قبل الأعداء. وينتشر الفساد في كافة المجالات وفي صور عديدة، من أشهرها الفساد الإداري، والذي تتعدد ايضاً اشكاله فمنه: سوء استعمال موقع لمصلحة شخصية، وانحلال الاخلاق، ورشوة الموظف، وسوء استخدام السلطة العامة لأغراض شخصية، وتعيين الاقارب والاصدقاء في مواقع متقدمة في الجهاز الوظيفي دون كفاءات ودون حق، وإساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، والاتجار بها، والتعدي على المال العام، وهي جميعاً اشكال توضح غياب المؤسسة السياسية الفعالة. الفساد = درجة احتكار القرار + حرية التصرف - المساءلة ويرتبط الفساد بعلاقة طردية مع كل من درجة احتكار القرار واتساع حرية التصرف كما توضحه المعادلة السابقة، ويرتبط بعلاقة عكسية بدرجة المساءلة. فكلما احتكر فرد أو مؤسسة أو فئة القرار أو الثروة أو سلعة أو خدمة ما، كانت هناك فرصة أكبر للفساد ولسوء استغلال هذا الأمر المحتكر. وقد انتشر هذا الفساد على مستوى مختلف الدول، كما انتشر وبصورة ملحوظة في المملكة العربية السعودية وذلك طبقاً للتقارير والدراسات العالمية خاصة الصادرة من منظمة العمل الدولية المتعلقة بدراسة اقتصاديات المنطقة العربية، وهو الأمر الذي بات معروفاً على مختلف الاصعدة المحلية والإقليمية والعالمية. فقد اعلنت مؤشرات منظمة الشفافية العالمية قبل أكثر من شهرين بشأن ترتيب الدول من حيث معدلات الفساد الإداري والحكومي، أتت السعودية في المرتبة 78من أصل 160دولة في العالم، وقدرت الخسائر المالية الناتجة عن الفساد في المملكة بنحو ثلاثة تريليون ريال. وعلى الرغم من أن هناك من يرى ان ترتيب السعودية جاء متأخراً مقارنة بدول اخرى بما يوحي بانخفاض معدلات الفساد في المملكة، إلا أن هذا المنطق يقلب الحقائق ويبعث في النفس التراخي واللامبالاة في التعامل مع واحدة من اخطر الظواهر السلبية في العصر الحديث. ان المملكة لديها مختلف الوسائل لقمع الفساد الإداري ممثلة في الوازع الديني، والانظمة المتعددة من رقابة وتحقيق ومتابعة. ومن ثم فإن انتشار مزيداً من الانظمة والتعليمات لا تشكل علاجاً لهذه الظاهرة.. وإنما المطلوب تفعيل الانظمة الموجودة ومتابعة تطبيقها والاختيار المناسب للقائمين عليها. آليات ووسائل مكافحة الفساد وتقليصه: تطبيق مبدأ المحاسبة على النتائج وليس على التعليمات. تفعيل الجوانب الدينية والروحية المرتبطة بالاستقامة. نشر سياسات وبرامج الحكومة بشكل شفاف ومراقبة ذلك من المواطنين. حرية الصحافة والرأي والتعبير كأداة للرقابة. فضح الفاسدين والتشهير بهم. اعطاء دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الفساد. اصدار تعليمات وقرارات وقوانين صارمة لمكافحة الفساد. ولقد أقر بعض أعضاء مجلس الشورى بوجود فساد إداري ومالي في الأجهزة الحكومية يحتاج إلى شفافية وايضاح واصلاح وعليه يجب ان يطالب هؤلاء بدعم ديوان المراقبة العامة بمزيد من الكفاءات الوطنية المؤهلة ليترجم ميدانياً ما هو مطلوب منه في مراقبة صرف المال العام ومحاسبة التنفيذيين المقصرين والحيلولة دون تسرب المال العام لجيوب اصحاب النفوس الضعيفة وحرمان المواطن من الخدمات التي يحتاجها وهم المعنيون - أي أعضاء مجلس الشورى - بطرح كل ما من شأنه تحقيق تطلعات ولاة الأمر فيما يخدم المواطن والارتقاء بخطط تنمية الوطن في مختلف الاتجاهات برؤية واضحة المعالم ومنهجية مدروسة ولان نحسبهم إلا أهلاً للثقة المخولة لهم. فالفساد الإداري بالمملكة لم يصل الى مرحلة اللاعودة.. بل هو من مراحله الاولى التي يمكن السيطرة عليها، والضرب على أيدي ضعاف النفوس الذين لا يشكلون نسبة عالية.