الوقت من أبرز الأصول وأهم النعم التي أنعم الله بها علينا. ولأهمية الوقت في القرآن الكريم ورد ذكره عدة مرات، فقد أقسم الله بالوقت قال تعالى: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى)، وقال أيضاً (والعصر إن الإنسان لفي خسر). وقد أورد الباحث المتخصص في شؤون التنمية الذاتية والتطوير المغربي توفيق الجريسي قولاً للعلامة يوسف القرضاوي انه من المعروف لدى المفسرين، ان الله إذا أقسم بشيء من خلقه فذلك ليلفت أنظارهم إليه وينبههم على جليل منفعته. ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، يقول الجريسي: "فمن صح بدنه وتفرغ من الأشغال الشاقة ولم يسع لاستثمار هذه الصحة والفراغ لتحقيق أهدافه التي تعينه على الدنيا والآخرة وترقى به إلى مدارج الفائزين فهو كالمغبون تماماً". هاتان النعمتان من أعظم نعم الله على عباده، وقد أورد رسولنا عليه الصلاة والسلام تقسيماً رائعاً للوقت حيث يقول مما رواه عن صحف إبراهيم عليه السلام "على العاقل - ما لم يكن مغلوباً على أمره - أن تكون له ساعات، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المعطم والمشرب". أليس هذا هو تنظيم الوقت الذي يتحدث عنه علماء الإدارة اليوم؟. ذكر الجريسي انه في حثه عليه الصلاة والسلام على تنظيم الوقت وعدم إضاعته يقول: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: رسول الله لرجل وهو يعظه "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، فقد لخص النبي في هذه الكلمات الموجزة البليغة ما تناوله الباحثون في علم الإدارة في كتب عدة فهو من جوامع الكلم إذ تحدث عن أهمية الوقت والمبادرة إلى استثماره واغتنام قوة الشباب وفرص الفراغ في العمل الصالح المثمر وحذر من خمس معوقات لاستثمار الأوقات، كل ذلك في عبارات وجيزة لا تبلغ العشرين كلمة "39". وأورد الجريسي أيضاً في معرضه لقصة يوسف عليه السلام مع عزيز مصر وتأويل رؤياه، من أن ما فعله يوسف في تفسيره لرؤية الملك هو وضع خطة زمنية بإلهام من الله عز وجل لكسب الوقت في سنوات الرخاء بمضاعفة الانتاج وتخزينه بأسلوب علمي للاستفادة منه في سنوات الجدب. أما تحديد الأهداف فيقول الله عز وجل (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشى سوياً على صراط مستقيم)، فهنا تبرز أهمية تحديد الهدف. والتنظيم الهرمي وتوزيع المهام فقد أشار إليها القرآن كما وضح الجريسي قال الله تعالى: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا)، أي ليكون كل مسخر لخدمة الآخر في ما يخصه. والرسول عليه الصلاة والسلام قد مارس التفويض حينما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن داعياً وأسامة بن زيد قائداً في غزوة مؤتة والكثير من المهام التي كان عليه الصلاة والسلام يوكل إلى صحابته أدائها. يقول الدكتور الخضيري في كتابه الرائع "لكم يدهشني ما وصل إليه حال المدير العربي رغم زخم رصيده من الأحداث التي مر بها، ومن العبر والحقائق المستمدة من التجارب الممتدة ورغم الحكم وخلاصات التجارب وتحريض القيم الحميدة التي تركها له التراث العربي والإسلامي الهائل والذي يجد الباحث فيه مصدراً خصباً لتعاليم إدارة الوقت، من ذلك نصاً من كتاب طاهر بن الحسين لابنه عبدالله عندما ولاه المأمون الرقة ومصر (وأفرغ من يومك ولا تؤخره لغدك، وأكثر مباشرته بنفسك، فإن لغد أموراً وحوادث تنهيك عن عمل يومك الذي أخرت، وأعلم أن اليوم الذي مضى ذهب بما فيه، فإذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومين، وإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت بذلك نفسك، وجمعت أمر سلطانك)".