أمضيت ثلاثة أيام في رحاب ضيافة نادي مكة الأدبي الثقافي الكريمة تعصف بنا نقاشات وتحليلات الخطاب الثقافي بينما تغللنا المشاعر الإيمانية التي تصلنا من حِمى الحرم المكي في مزيج جميل ما بين الفكر والروح هي ميزة مكةالمكرمة قدسها الله. ونادي مكة الأدبي الثقافي في حلته الجديدة وبرئاسة الأستاذ الدكتور سهيل قاضي وطاقمه الاستشاري والتنظيمي المتفاني، يطرحون موضوعاً متميزاً لندوتهم السنوية وبمحاور مهمة جداً. فقد خصصوها لعنوان واسع "خطابنا الثقافي، قراءة الحاضر واستشراف المستقبل" بمحاور تدور ما بين: الإصلاح الثقافي، المواءمة ما بين الحاضر والمستقبل، العنف والحوار، الخطاب والهوية، الخصوصية الثقافية، استشراف المستقبل وغيرها. وتكللت بأربعة وعشرين بحثاً كان خمسة منها لنساء وكنت واحدة منهن وأزعم أنها كانت كلها أوراقاً متميزة وتلقت حضوراً ونقاشاً يتناسب مع المناسبة العلمية في الجانبين النسائي والرجالي. وربما كان أهم ما يميز هذا الملتقى الثقافي على المستوى الإنساني هو إدراك النادي الأدبي بمكةالمكرمة بمسؤوليته الأدبية تجاه المرأة السعودية وأهمية تقديمها بشكل يؤكد قناعته بدورها الموازي للرجل في حمل شعلة الثقافة والعلم. وقد قام بعدد من المواقف الرمزية التي تؤكد هذا الموقف الإسلامي من شقائق الرجال بأن دعا امرأة لتقديم كلمة المشاركين والمشاركات في خطوة أزعم أنها سابقة استبدلت المعتاد من تمثيل الرجال للنساء والحديث عنهن بلسانهم. ومثّلت المشاركات والمشاركين كلمة الأستاذة سهيلة زين العابدين حماد، عضو الاتحاد الإسلامي العالمي، وكانت كلمة متميزة خرجت فيها عن الموضوع إلى مواضيع المشاركة النسائية في المجتمع السعودي ثم عادت إلى موضوع الخطاب الثقافي في قوة شدت الأنفاس فنالت التصفيق من الجانبين. كما أن النادي ترك الحرية للمشاركات بالاختيار ما بين إلقاء أوراقهن من كراسيهن أو من المنصة الرئيسة، فكانت أيضاً لفتة تحسب للنادي ولتمثله جمع المسلمين في آية المباهلة التي اجتمع فيها المسلمون والمسلمات في حوار ديني مع نصارى نجران وفيهم السيدة فاطمة الزهراء وذلك في السنة العاشرة للهجرة وبعد نزول آية الحجاب لنساء النبي. وكانت هذه من الأدلة التي ساقتها الأستاذة سهيلة زين العابدين لتدلل على مشاركة المرأة المسلمة في المناقشات العلمية وجهاً لوجه كما كان الأمر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد كانت ورقتي الخاصة ب "الخطاب النسوي السعودي بين الهوية والخصوصية الثقافية" قد حصدت عدداً لا بأس به من النقاش الموضوعي الذي يدفعني للدعوة إلى أهمية الخوض في هذا الموضوع ومحاولة توثيقه نظراً لما وجدته من غزارة المادة واتساعها مما يتطلب جهودا متكاتفة، فضلاً عن ضرورة تحديد ما إذا كان لدينا خطاب نسوي في بادئ الأمر. @ تحية خاصة إلى الأستاذ الشاعر فاروق بنجر والأستاذ نبيل خياط والأستاذ حمزة فودة من اللجنة الاستشارية والمنظمة والدكتورة منى الأسمر و أ.أمل القثامي. مؤرخة وكاتبة سعودية