لأن أجهزتنا الحكومية تعيش عصر الاستراتيجيات، وهذا أمر محمود بالطبع، فإن البعض كثيراً ما يشتكي من ضعف التنسيق بين هذه الاستراتيجيات، وهو ضعف يبدأ اكتشاف خيوطه مع أول خطوة تقع فيها قدما تلك الاستراتيجيات على أرض الواقع.. يبدأ المعنيون بتلك الاستراتيجيات في التذمر، وتبدأ الجهات الحكومية في إلقاء اللوم على بعضها البعض، ومن ثم اللجوء إلى العمل منفردة حتى لو كان عملها لا يقوم ولا يستقيم إلا بالتعاون بل وأحياناً، التكامل مع جهات أخرى. يعزو أولئك ما يحدث، إلى غياب عنصر التنسيق بين الجهات المعنية، معتقدين أن وجود هذا العنصر كفيل بنجاح الاستراتيجيات الموضوعة، وتحقيقها لأهدافها المطلوبة، ويغيب عن بال هؤلاء أمر أخطر من ذلك، وهو أن غياب هذا العنصر ليس سوى مؤشر على ضعف تلك الاستراتيجيات، وعدم إدراك القائمين عليها الأسلوب السليم لإعدادها، وما غياب التنسيق، الذي يتضح في بدايات التطبيق، إلا مؤشر على ذلك الضعف. كان يفترض أن يكون التنسيق مع كافة الجهات ذات العلاقة بعمل الجهاز، من أولويات، بل هو من بدهيات، وضع أية استراتيجية، إذ أن واضع الاستراتيجية، المدرك والمتمكن من الأسلوب الصحيح لإعدادها وصياغتها، يعلم أن من أبجديات إعداد الاستراتيجيات، هو أخذها في الحسبان، اهتمامات، ومصالح، وعلاقات، وأثر وتأثر، وكافة الجهات المرتبطة بالجهاز والمستفيدة من خدماته.. أي أن الأمر، عند إعداد استراتيجية ما، يتطلب أن يتوفر لدى القائمين عليها، نظرة شمولية تأخذ في الحسبان كافة العوامل المؤثرة والمتأثرة، مع بيان تأثيراتها وارتباطاتها، كي تستطيع الاستراتيجية تحقيق أهدافها من خلال مراعاة مصالح كافة الجهات ذات العلاقة. الشيء المؤسف ان هذه النظرة الشمولية لا تحضر دائماً، وان هي حضرت فهي لا تكون حاضرة في كافة الأجزاء والمراحل من إعداد الاستراتيجية.. والنتيجة أن تكون لدينا استراتيجيات غير مكتملة أو هي متعارضة في بعض جوانبها، حيث يتضح عورها وقصورها عند التطبيق، مما يؤدي إلى ضياع الجهد والوقت، وتعطيل مصالح المواطنين، بل وهو الأخطر، الشك في الأساليب العلمية التي يتبعها الناجحون لتطوير أعمالهم، جراء فشلنا في فهم الكيفية الصحيحة للتعامل مع تلك المفاهيم..