انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة سرقة السيارات التي بدأت تشكل هاجسا للأجهزة الأمنية باعتبارها جريمة تهدد امن المجتمع والأفراد حيث لا يمر يوم دون تسجيل حالات بلاغ سرقة للسيارات في أقسام الشرط في مناطق المملكة مما جعل هذه الظاهرة تؤرق الكثير من المواطنين. وتصل معدلات السرقات في السعودية إلى نحو 14% تقريبا من معدل الجريمة في المجتمع ، كما تتم استعادة 92% من هذه السرقات ، مما يشير إلى أن جريمة سرقة السيارات تحت السيطرة حيث تتفوق الجهات الأمنية على مثيلاتها في الدول الأخرى. ومن المؤكد أن نسبة 50% منها بسبب الإهمال من قبل أصحاب هذه المركبات التي يتركونها سهلة المنال لهؤلاء اللصوص بتركها في وضع التشغيل أو ترك المفتاح على باب المركبة أو إعارتها لمن ينسخ مفاتيحها. وتؤكد دراسة أجراها مركز أبحاث الجريمة أن معظم سارقي السيارات من (الشباب) الذين تتراوح أعمارهم بين 17- 36سنة وأغلبيتهم من طلبة المدارس والعاطلين عن العمل ولا يتجاوز تعليمهم المرحلة الابتدائية يليهم حملة المتوسطة ثم فئة الأميين في الدرجة الثالثة، حيث يلجأون للسرقة لأغراض محددة كالتنزه أو التفحيط أو الاستعراض أو المباهاة أمام الآخرين، إضافة لبعض الأسباب الاقتصادية كالتشليح أو استخدام السيارة المسروقة كوسيلة لسرقات أخرى. "الرياض" أجرت تحقيقا حول هذه الظاهرة لمعرفة أبعادها وانعكاساتها الخطيرة على المجتمع التقينا خلاله عددا من المختصين الذين شددوا على أهمية تثقيف المواطن وأهمية توعية الشباب وخرطهم في الأعمال التطوعية في المجالات الثقافية والأمنية والاقتصادية والبيئية والتي تشجعهم على اتخاذ المبادرات وتعزز لديهم الولاء والانتماء. آلية البلاغات ويرى بعض المواطنين الذين تعرضوا للسرقة والذين أبدوا تذمرهم من الآلية المتبعة في تلقي البلاغات واصفينها بغير المجدية وتأخذ وقتا طويلاً يمكن السارق من الهرب وتحقيق الهدف الذي تمت هذه الجريمة من أجله مشددين على أهمية اتخاذ الحذر والحيطة من خلال استخدام التقنية التي تساعد على حماية المركبة وتسهم في إرباك وتعطيل السارق خاصة وان اللص ضعيف قد يؤثر عليه أي شيء يلفت الانتباه من أجهزة إنذار أو بعض الأجهزة التي قد تؤخر تنفيذه لهذا العمل المشين، واتفق الجميع على أن هذه الأجهزة المخصصة لسلامة السيارات من السرقة قد لا تكون مجدية خاصة وان بعض السيارات التي تتعرض للسرقة من الموديلات الحديثة التي توجد بها هذه الوسائل مؤكدين أن بعض هؤلاء اللصوص لديه القدرة على تخريب هذا النظام لدرايته بكيفية السيطرة على وضع هذه الأجهزة. الإقبال على الأدوار السفلية ويرى البعض انه آن الأوان لاستعانة الأهالي بالحارس الخاص مقابل دفع مبلغ مادي يضمن به سلامة مركبته من السرقة أو الإتلاف الذي قد تتعرض له بغية الوصول لسرقة أجزاء منها كالإطارات أو بعض الأجهزة الالكترونية أو غيرها خاصة سكان المنازل التي لا يوجد بها كراجات كالشقق، مطالبين بتشديد العقوبة على كل من يمتهن هذا العمل المخالف للدين وتشديد الضوابط على كل من يشتري من هؤلاء السارقين. أصحاب مكاتب العقار أكدوا ل "الرياض" أن ظاهرة سرقة السيارات جعلت الإقبال كبيراً على الأدوار السفلية التي يوجد بها مأمن لسيارة الساكن وإن تطلب ذلك مبلغاً كبيراً. ظاهرة السرقات في البداية يرى الدكتور عبدا لله بن عبدالعزيز اليوسف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن سرقة السيارات ليست بالظاهرة الحديثة حيث تشير الدراسات العلمية إلى أن جرائم سرقة السيارات، سواء بأكملها أو سرقة أجزاء منها، من الجرائم الواسعة الانتشار والتي تزيد معدلاتها تدريجياً ليس في المملكة وحدها وإنما في مختلف دول العالم، أما من حيث عدد السرقات ففي منطقة الرياض يسجل أكبر عدد من السيارات المسروقة، إلا أن نسبة استعادتها بلغت أكثر من (92%) وهذه النسبة تشير إلى أن جريمة سرقة السيارات بالمملكة تحت السيطرة حيث تتفوق الجهات الأمنية على مثيلاتها في الدول الأخرى في استعادة السيارات المسروقة إلى أصحابها، وعلى سبيل المثال في فرنسا يستعاد (70%) من السيارات المسروقة وفي ايطاليا (40%) وألمانيا (60%). أسباب السرقة ويضيف اليوسف أن الدراسات تؤكد أن المتورطين في سرقة السيارات في الغالب هم من فئة الأحداث من الطلبة والعاطلين عن العمل وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن طلبة المدارس يمثلون النسبة الكبرى من مرتكبي سرقة السيارات في مدينة الرياض. كما توصلت دراسة أخرى إلى أن نسبة العاطلين عن العمل بلغت الثلث من مجموع سارقي السيارات في نفس المدينة ممن لم يلتحق بدراسة أو وظيفة وأصبح لديه فراغ كبير وعادة ما تكون أسباب السرقة لإغراض محددة كالتنزه أو التفحيط أو الاستعراض أو المباهاة مع الآخرين.وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى سرقة السيارات منها الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى إن العمالة الوافدة الكثيرة أدت إلى زيادة ملحوظة في السرقة وخاصة في المدن الكبيرة وإهمال المواطن والمقيم لسيارته بتركها في وضع التشغيل أو مفتاحها على الباب أو إعارتها لمن ينسخ مفاتيحها. تمييز السارق ويرى الدكتور اليوسف صعوبة تمييز السارق كون جسم الجريمة متحركاً مما يزيد من أعباء عمل رجال الأمن وتختلف هذه الجريمة عن الجرائم الأخرى كونه من النادر العثور على أدلة مادية تدل على الجاني في مكان إيقاف السيارة والأدلة إن وجدت فهي في الغالب على السيارة نفسها كما أن الجاني يستطيع أن يتخلص من السيارة في أي لحظة بإيقافها في أي مكان ثم تركها دون أن يلفت نظر احد وهذا ما يجعل هذه الجريمة مختلفة عن بقية الجرائم الأخرى مسؤولية المواطن وحول مسؤولية المواطن وتأمين السيارة من اللصوص بين اليوسف انه يجب على المواطن تفهم أن السارق يود أن ينجز مهمته في أسرع وقت، وإذا وجد ما يعوق ذلك فإنه من المؤكد سينصرف للبحث عن سيارة أخرى سهلة السرقة، ولذا يجب على كل مواطن ومقيم أن يعوق مهمة السارق بوسائل مختلفة، ولعل أبسط هذه الوسائل ألا تترك مفاتيح سيارتك بالداخل أبداً، وأن تهتم بإغلاق الأبواب والنوافذ بشكل محكم، وهذا بالإضافة إلى الاستعانة بأجهزة الإنذار المختلفة التي تعطل مهمة السارق وتدفعه إلى الهرب بعيداً عن السيارة، وهذه الأجهزة مختلفة الأنواع والأغراض فبعضه يطلق صوت إنذاراً في حالة الشروع في سرقة أجزاء من السيارة مثل الإطارات أو جهاز التسجيل. أهم أسباب علاج هذه الظاهرة وللحد من هذه الظاهرة طالب اليوسف من الجميع التعاون من اجل القضاء عليها مبينا أن الأسرة عليها دور كبير وكذلك المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام على اختلافها يجب عليها المساهمة في التوعية بالإجراءات التي يجب على كل مواطن الأخذ بها والاسترشاد بالسبل المثلى لمحاربة سبل انتشارها. التباهي أمام الغير ويرى الدكتور صقر المقيد مدير إدارة التعاون الدولي بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية أن هذه المشكلة تحت السيطرة ولم ولن تصل إلى حد الظاهرة بأي حال من الأحوال مشيراً إلى أن الذين يقومون بسرقة السيارات في المملكة هم من فئة الأحداث التواقين لتقليد الأفلام السينمائية ولديهم حالات عدم استقرار اسري فضلا عن الرغبة في التباهي والتفاخر أمام الغير، وفي هذه الحالة تهتدي الشرطة إلى مكان السيارة وتعيدها إلى صاحبها في وقت قياسي. العمالة وقطع الغيار ويضيف المقيد قائلاً إن "النوع الآخر من الممتهنين لسرقة السيارات هم من العمال الذين يفضلون سرقة السيارة ثم يبيعونها قطع غيار وبأثمان بخسة، هذا فضلا عن عدد قليل من السيارات يمكن تهريبه عبر الحدود المترامية الأطراف". تنمية الثقافة الأمنية وشدد د. المقيد على أهمية تنمية الثقافة الأمنية لدى ملاك السيارات، مشيراً إلى أن الكثير يغتر بالاستتباب الأمني الذي تعيشه المملكة ويترك سيارته في وضع التشغيل وهذه مخالفة يجب على الجهات المختصة أخذها بعين الاعتبار لان هذا الاستهتار هو الذي يقود ضعاف النفوس للعبث بالسيارات، وهذا النوع يطلق عليه علماء الاجتماع "دور الضحية في ارتكاب الجريمة". إضافة لذلك فان على الآباء متابعة أبنائهم والتعرف إلى إقرانهم قبل الولوج إلى عالم الجريمة وكما قال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة كما يقع على عاتق الدولة مسؤولية إيجاد نواد رياضية لإشباع رغبات الشباب، فالشباب ومهما كان مستوى دراستهم ووضعهم الاجتماعي فإنهم يشتركون في نفس القيم التحررية فيما يتعلق بالأخلاق،وهم شديدو الانقسام فيما يتعلق بعلاقاتهم بالمجتمع. تغليظ العقوبة وكي لا تستفحل مشكلة سرقة السيارات طالب الدكتور المقيد الجهات صاحبة الاختصاص العمل على تشريعات من شأنها تغليظ العقوبة على سارقي السيارات ومهربيها فضلا عن إيجاد نظام لمراقبة الورش والاستراحات بحيث يشعر كل مخالف انه ليس بمأمن عن يد العدالة. وفي دراسة أجراها مدير عام مركز أبحاث مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية الدكتور سلطان بن عبدالعزيز العنقري، حصلت "الرياض" على جانب منها واعتمد فيها على المقابلة الشخصية مع أكثر من (450) سجيناً يقضون أحكاما بالسجن في قضايا سرقة السيارات في جميع مناطق المملكة أسباب سرقة السيارات في المملكة واتضح الآتي: أن ما يزيد على نسبة 50% من الحوادث التي ترتكب في المملكة تحدث بالفعل نتيجة لإهمال أصحاب السيارات وتهاونهم في المحافظة على سياراتهم ويتمثل هذا الإهمال في الأشكال التالية: الترجل من السيارة وهي في حالة تشغيل لقضاء غرض معين، أو ترك السيارة مفتوحة والمفاتيح بداخلها، أو ترك أشياء ثمينة بداخل السيارة مما يغري بسرقتها، أو إيقاف السيارة في الأماكن المظلمة والمهجورة والطرقات البعيدة عن الأنظار أو تركها في أماكن بعيدة ولوقت طويل عند تعطلها، كما أرجعت هذه الدراسة أسباب سرقة السيارات إلى سهولة فتح بعض السيارات نتيجة لقصور في مواصفاتها الفنية مما يؤدي الى فتحها وتشغيلها بسهولة، إضافة إلى وجود فراغ كبير لدى بعض الشباب (الطائش) ممن انقطع عن مواصلة تعليمه او ليس لديه عمل، الى جانب الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات، وكذلك زيادة أعداد العمالة الأجنبية في المملكة، ومن الأسباب أيضا عدم تناسب الأحكام الصادرة ضد مرتكبي سرقة السيارات مع الجرم المرتكب وسهولة هذه الأحكام، كما تقول هذه الدراسة. ومن الأسباب كذلك التي أوضحتها الدراسة هو قيام بعض ضعاف النفوس بسرقة السيارات أو استئجارها ثم التوجه بها إلى منطقة مختلفة لاستخدامها في التهريب كما أن من الأسباب سهولة تهريب بعض أنواع السيارات المسروقة ذات الدفع الرباعي لخارج المملكة عن طريق الصحاري والأماكن الحدودية الوعرة. احترافية السارقين "الرياض" ناقشت الموضوع مع عدد من الذين تعرضوا لسرقة مركباتهم، في البداية أوضح محمد مقعد الاكلبي أن سيارته تعرضت للسرقة من أمام شقته بحي طويق بالرياض في ساعة متأخرة من الليل ومن ثم توجه إلى اقرب مركز شرطة وابلغهم بالمواصفات الخاصة بها موضحا انه تم العثور عليها في احد الشوارع التي تشهد تجمعات شبابية وقد لحق بها بعض الأضرار نتيجة ما تعرضت له من تفحيط. وعن استخدامه لأجهزة الإنذار بين أن سيارته حديثة ويوجد بها أنظمة أمان ولكنه مندهش من الآلية الاحترافية التي تمكن السارق بها من تنفيذ هذه الجريمة خاصة انه لم يجد أي اثر يدل على استخدام القوة في فتح السيارة مشدداً على أهمية وجود الحارس الليلي قائلا انه أول من يبادر لمثل هذا الإجراء خاصة إذا وجد من يساعده على دفع تكاليف ذلك من الجيران الذين يرغبون في الحفاظ على ممتلكاتهم. الإطار الاحتياطي المواطن خالد الصالح (أحد سكان حي الرائد) أكد أن سيارته تعرضت لتهشيم زجاجها ثلاث مرات خلال فترة لم تتجاوز الشهرين مبيننا أن الدوريات الأمنية اقتصر دورها على تسجيل البلاغ فقط مشيرا إلى أن عبث اللصوص لم يقتصر على سيارته فقط بل طال عددا من سيارات الجيران مرجعا السبب لغياب الدوريات الأمنية عن الحي. وأوضح الصالح أن هذه المشكلة أصبحت تؤرق سكان الحي نظرا لتكرارها دون العثور على اللصوص مبيننا أن اغلبهم نقل الإطار الاحتياطي إلى داخل المنزل لأنها أصبحت مقصدا للسرقة. ويبين حسين السبر من سكان هذا الحي انه وضع إطار سيارته الاحتياطي داخل غرفة النوم الخاصة لأنها لم تسلم من السرقة ولم يمنعها فناء المنزل من السطو من قبل هولاء الأفراد الذين امتهنوا السرقة. الاحتياج المالي ويرى مبارك راجح أن كثرة سرقة السيارات من قبل الأحداث سببها البطالة والفراغ والاحتياج المادي.. وبعضهم يسرق أشياء بسيطة من السيارة. وقد يدفع هذا الشاب ثمنا غاليا لهذه الفعلة بسبب بسيط. والسبب هو الفراغ وقلة الوازع الديني. أما الإهمال فهو سبب ضعيف، فبعض السيارات التي بها وسائل حماية أيضا تتعرض لعملية السرقة، والبعض يمكن أن يسرق في أماكن عامة مثل مواقف شركات أو وزارات، بما يعني أن المسألة أصبحت عملية جرأة غير طبيعية. كما اقترح أن يكون هناك نظام في بعض الأحياء بتحديد مواقف محددة في الأحياء تكون فيها أجهزة مراقبة وحراسة مقابل دفع مبلغ بسيط من صاحب السيارة لحماية سيارته.