يبدو أن من يعاني من ارتفاع أسعار مواد البناء من مواطنين او شركات تلقى صدمة قوية وهو يقرأ إعلانا نشر يوم الجمعة الماضي بإحدى الصحف يطلب فيه شراء (200) مليون كيس اسمنت بسعر ( 13.50) ريالا للتصدير للخارج! وبعيدا عن اثر ذلك على السوق المحلي الذي يعاني منذ أشهر طويلة من النقص الحاد في الاسمنت الذي تسبب في ارتفاع السعر بشكل كبير نطرح التساؤل التالي على وزارة التجارة والصناعة الموقرة : لمن موجه هذا الإعلان وماذا نفهم منه؟ إن هذا الإعلان بطلب شراء تلك الكمية الكبيرة من الاسمنت وبذلك السعر يجب أن نتوقف عنده لنفهم حقيقة مايحدث بسوق الاسمنت ومواد البناء بشكل عام بل لنفهم السياسة التي اتبعت مؤخرا في كثير من السلع للإثراء السريع وذلك وفق الآتي: - إن المعلن لم يطلب تلك الكمية إلا بعلمه بتوفرها لدى البعض بمستودعاتهم او بمقدورهم تدبيرها! وقد يحتاج فقط لوسيط ينسق في ذلك لتوفير الكمية المطلوبة، فالجميع يعلم بنقص الاسمنت بالسوق السعودي وارتفاع سعره وحاجة مشاريعنا له ونحن نستورده! فلماذا لم يتم شراء تلك الكمية الضخمة من أسواق أخرى خاصة وان قيمتها تقارب ال(3) مليارات ريال؟ - نحن نشتكي من ارتفاع أسعار الأسمنت وتجاوز سعر الكيس غالبا ال(15) ريالاً وأحيانا ال(20) ريالاً بينما سعر الشراء بالإعلان هو (13.50) ريالا، فكم تبلغ تكلفة شراء وتنزيل وتخزين تلك الكمية على البائع بسعر (13.50) ريالاً؟ إذا سعر الشراء اقل بكثير من ذلك لكي يربح البائع من تلك الصفقة! - قد يكون الإعلان موجها لمصانع الأسمنت الجديدة التي بدأت الإنتاج مؤخرا وتبيع الكيس بسعر(13) ريالاً لحجز كامل الكميات المنتجة. - الدولة تقدم لمصانع الاسمنت القروض بدون فوائد وتمنحها المحاجر وتعفي الاسمنت المستورد من الرسوم، أليست مشاريع الدولة والمواطن أولى من الشركات الخارجية بالحصول على تلك المادة بالسعر العادل؟ - هناك من سيستفيد من هذا الإعلان برفع السعر بسبب زيادة الطلب الخارجي! انه من الواضح ان سياسة التجفيف لأي سلعه مازالت تمارس ليتم تخزينها وإعادة بيعها - بعد ارتفاع سعرها- بالداخل او بتصديرها، وقد سبق أن طرحت تلك السياسة في مقال "سياسة التجفيف من الأسهم الى الشعير 1428/9/17ه" ولكن يظهر اننا كمسؤولين ومواطنين لم نقتنع حتى الآن بوجود تلك السياسة، فعندما اختتمت المقال "بأنه إذا لم نتأكد فعلا من عدم ممارسة تجار او عمالة أجنبية لسياسة التجفيف للشعير، فإننا لا نستبعد أن نرى شكوى قادمة من نقص في الدقيق وغيره من المواد! وتساءلت لماذا إذا رغبنا في الحصول على أي كمية لأي سلعة غير متوفرة بالسوق نستطيع الحصول عليها إذا دفعنا السعر المطلوب؟" فحينها تلقيت تعليقا من قارئ كريم يرى فيه بأنه من المستحيل أن يصل الأمر الى معاناة من نقص الدقيق الذي ينتج محليا بكميات كبيرة ونستطيع تصديره لو سمح لنا بذلك! وهنا أتساءل ماذا حدث لدينا بعد (4) أشهر من نشر المقال؟ فهل نقص الدقيق الذي أصبحت تعاني منه مخابزنا كان مفاجئاً؟ أم أننا تجاهلنا ماكانت تنشره صحفنا عن تصدير الدقيق لدول مجاورة والتي كان آخرها مانشر الأسبوع الماضي من تمكن حرس الحدود بجازان من إحباط عدة محاولات لتهريب (128) الف كيس دقيق للخارج ولكمية (20) الف كيس في اسبوع! ثم من كان يبيع للمخابز في بعض المناطق الكميات التي تحتاجها بأعلى من السعر الرسمي؟ إننا لانعلم عما إذا كانت مشكلة الدقيق قد تمت معالجتها بشكل نهائي ام لا! نظرا الى أن سعر شراء الصوامع حاليا اقل من السعر العالمي للقمح! لان ذلك قد يفتح المجال لبيعه خارج الحدود! ولكن لأننا اعتدنا حل مشاكلنا بعد استفحالها بطرق اجتهادية دون وضع أسس تكفل الحل الشامل للسلع الأساسية التي تغري بتجفيفها وتصديرها للخارج مادام المجال مفتوحا، فان هناك العديد من التساؤلات قد تثار إذا فهمنا حقيقة الوضع الغامض في الأسواق المجاورة سواء للمواد الغذائية او مواد البناء، فاختلاف المستوى المعيشي بين دول الخليج أتاح للبعض فرصة تجميع الخيرات من بلدنا لتصديرها وبيعها بأسعار أعلى بينما نحن نشتكي ليس من ارتفاع الأسعار فحسب بل من انعدام بعض السلع بأسواقنا، وكل ذلك في ظل صمت غريب من الجهة المسؤولة عن هذا الأمر التي تردد بان سوقنا "سوق حر" يحكمه العرض والطلب وتناست بان سوقنا أصبح مفتوحا للطلب من عدة دول! والعرض محدود بسبب محدودية إنتاج مصانعنا ومزارعنا، وكل ذلك في الوقت الذي بدأت فيه الدول الأخرى بإعادة النظر في سياسة التصدير لمنتجاتها التي ارتفعت أسعارها بأسواقها بسبب التصدير للخارج! إن حالة الصمت تجاه مايتم تصديره من مواد للدول المجاورة أوجدت مبررا لمصانعنا لرفع أسعار منتجاتها حتى لا يستأثر بعض التجار والعمالة بالكعكة بالشراء والشحن للبيع هناك بأسعار أعلى! فرفعنا سعر الحديد مثلا في الوقت الذي ثبتت فيه شركة خليجية سعر البيع للحديد ب(3300) ريال وهو اقل من أسعارنا بأكثر من (1200) ريال! وذكرت بان ذلك تم دعما لجهود حكومتها في مكافحة التضخم! فمن المتسبب فيما يحدث؟ أليس عدم المبالاة بما يحدث بأسواقنا تسبب في ارتفاع أسعار مواد البناء وتعثر مشاريع الحكومة والأفراد بل وتحقيق المقاولين السعوديين للخسائر الفادحة التي ستتسبب في انهيار صناعة المقاولات لدينا! لكوننا نضطر حسب النظام لسحب المشاريع المتعثرة والتنفيذ على حسابهم على الرغم من علمنا بان سبب التعثر هو ارتفاع أسعار مواد البناء ( تصريح معالي نائب وزير التربية والتعليم قبل أيام)! فما نتيجة التأخر في منع التصدير للمواد التي نحن في أمس الحاجة إليها سواء المواد الغذائية او البناء؟ إن مانراه على الواقع هو رفع أسعار منتجاتنا محليا لأنها ستباع هناك بأسعار أعلى بسبب ارتفاع مستوى الدخل! والمؤلم هو احتفالهم بالسرعة في إقامة الشركات الأجنبية للأبراج والأسواق التجارية بدولهم بينما مستشفياتنا ومدارسنا تتعثر مشاريعها!