تلقت كوريا مؤخرا أخبارا مدهشة وسارة عندما قام المنتدى الاقتصادي العالمي بنشر تقريره الخاص بالوضع العالمي لتقنية المعلومات للعام 2007- 2008تحت شعار "تعزيز التجديدات من خلال الاستعداد المرتبط شبكيا" واحتلت كوريا في التقرير المركز العالمي التاسع من حيث القدرات التنافسية وهو مركز لا يدعو للفخر ولا الرضا. ورغم أن التقرير أشار إلى أن كوريا قد حققت تحسنا ملحوظا إلا أن الجهات المعنية قد شعرت بنوع من الإحباط من تلك النتيجة. الترتيب العالمي لكوريا في هذا المجال لا يبدو مقنعا، للكوريين على الأقل، ولا يعكس في تصورهم مدى ما وصلت له كوريا من التقدم والقدرات التنافسية في هذا المجال، لهذا فقد طلبنا من بعض الخبراء في مجال العلوم والتكنولوجيا. هنالك عدد من مؤشرات التقييم العالمي في مجال تقنية المعلومات، وحيث كانت الإجابات تنص على أن للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية مؤشرا للفرص الرقمية لقياس مدى تطور تقنية المعلومات من 3معايير هي الفرص والبنيات الأساسية والانتفاع والاستفادة. مؤشر الاستعداد الحكومي الإلكتروني التابع للأمم المتحدة هو ما يحدد مدى تطور خدمة الموقع الإلكتروني والموارد البشرية، وتم تطويره بواسطة وحدة الذكاء الاقتصادي ومعهد آي إم بي للقيمة التجارية مصمم بحيث يساعد كل دولة على تقييم قدراتها لقبول المتغيرات في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ومن بينها ما يعرف ب (إن آر آي) وهو الأكثر شمولا، حيث يغطي كل الأبعاد المتعلقة بالقدرات التنافسية في الأفراد والحكومات والشركات. يأخذ (إن آر آي) البيئة والمناخ التجاري في كل دولة ودرجة استعداد الأفراد والشركات والحكومات لاغتنام واستغلال الفرص والاستعمال الحقيقي لآخر ما توصلت له تقنية الاتصالات والمعلومات. هنالك 68مادة تقيس هذه المجموعات الثلاث، كوريا احتلت المركز الثالث في مجال البنيات الأساسية، وفي مدى استعدادها لاستعمال فرص تقنية المعلومات جاءت كوريا كذلك في المركز الرابع في مجال الاستعمال الفعلي وهو المجال الذي يوضح كيفية قدرة الشخص على الاستفادة من البنيات الأساسية لتقنية المعلومات، ولكن كوريا احتلت المركز السابع عشر من حيث تحرير الأسواق وهو مركز متأخر مما يحتم ضرورة تحرير الإجراءات والقيود الحكومية حتى تتمكن كوريا من التقدم للأمام. أشار التقرير أيضاً إلى ان كوريا تتمتع بمستوى تعليمي عال ورفيع وبقوة بشرية مؤهلة ومراكز بحث وكلها أشياء تساهم في تطوير وشحذ القدرات على تسيير الأعمال التجارية وتطوير شركات ومؤسسات تجارية متطورة ومقتدرة ولها شركات ذات قدرات على التجديد مثل ساموسونغ والجي. كوريا هي الآن الدولة الأولى في العالم من حيث الاستفادة من شبكة الإنترنت في الأعمال التجارية ومن حيث القدرات التنافسية في سوق خدمات الإنترنت، ولكن رغم ذلك فإن ترتيب كوريا العالمي قد يكون فوق الخمسين بالنسبة لبعض الأشياء مثل تعقيدات الإجراءات الإدارية والروتينية، وسلامة الملاحة الإلكترونية، كيف يمكن لعملاق تكنولوجي مثل كوريا أن يصل لمثل ذلك الترتيب المتأخر في هذه المجالات؟. كثيرون من الكوريين مستغربون كيف يتأتى لكوريا احتلال المركز التاسع ويرونه مركزا متأخرا، بعض الكوريين يؤمنون بأن كوريا هي الدولة الأولى في مجال التفوق الإلكتروني والتكنولوجي والمعلوماتي، صحيح أن كوريا مارد وعملاق في مجال الإنترنت والهواتف المتنقلة ولكن هذه ليست هي المعايير الوحيدة المستعملة، صحيح إن كوريا كانت قد تطورت بسرعة مذهلة حتى العام 2000ولكن محرك تطورها لم يعد بنفس السرعة والوتيرة بعد ذلك. لذا لا بد من وقفة للتفكير وتدبر الخطوات التالية: لكوريا وضع متميز في صناعة تكنولوجيا المعلومات، حيث احتلت 35% من سوق الصادرات و41% من معدل النمو الاقتصادي، ولكن هناك الآن بعض المؤشرات لاهتزاز وضع كوريا في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فقد تفوقت عليها اليابان في العام الماضي في مجال سرعة نقل وبث الإنترنت في مجال الموجات العريضة كما أن نسبة القدرة على الاختراق في ذلك المجال قد تراجعت مؤخرا إلى المركز الرابع في العالم، ومما زاد الطين بلة أن معدل نمو صناعة تكنولوجيا المعلومات الذي كان قد بلغ 21.4% خلال التسعينات كمعدل متوسط انحدر بشكل مريع ليصل 5% مما يثير المخاوف من أن صناعة تقنية المعلومات في كوريا قد وصلت سقفها الأعلى وبدأت في الانحدار، وما لم تتدارك كوريا الأمر فإن وضعها كمارد عالمي في مجال تقنية المعلومات مهدد بالخطر. وأيضاً على الحكومة أن تزيل أو تخفف من القيود على الخدمات التقنية، الحل الآخر هو أن تبحث الشركات الكورية المتخصصة في تقنية المعلومات عن محركات بحث ونمو جديدة، كوريا أضاعت حتى الآن وقتا ثمينا في البحث، مع أنها دولة تملك بنية تحتية وأساسية متينة وقوية في مجال تقنية الاتصالات والمعلومات، حيث إنها منتشرة في كل ركن والكوريون قادرون على التعامل معها والاستفادة منها. كوريا أيضا دولة ذات كثافة سكانية مما يجعلها قادرة على قبول واستيعاب كل التطورات التقنية الجديدة، وتعتبر الآن في العالم مختبر لصلاحية ومدى قدرة أي تطور تقني جديد على الانتشار، كل هذه مزايا يمكن الاستفادة منها وتطويرها بحيث تظل كوريا عملاقا ورائدا في مجال تكنولوجيا المعلومات، مع أن لكوريا إمكانيات هائلة في هذا المجال ولكن لا يمكن ضمان مستقبل كوريا في مضمار تقنية المعلومات ما لم تستطع قراءة الأسواق والتوجهات وتستفيد من إنجازاتها القديمة وتتأمل الحاضر على ضوء الماضي، المرتبة التاسعة كانت بمثابة جرس إنذار أو منبه على الأقل وعلى كوريا أن تستيقظ في الوقت المناسب وإلا فاتها القطار.