الحوار العلمي المنهجي الهادئ دائماً كان خيار الأمير سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - وخصوصاً حين يتطلب الأمر ذلك، ومن أقدر من الأمير سلمان على تحديد نوع ردة الفعل، والمقال الذي يناسب كل حال، بكل تأكيد لا أحد.. ففي حضرة سيد المؤرخين سلمان بن عبدالعزيز يلتزم الجميع الصمت، ليس من رهبة سلمان الحاكم، بل احترام سلمان العالم الذي يتأدب الجميع امام إلمامه الموسوعي بأدق تفاصيل تاريخ الوطن المطبوع في ذاكرة سموه الكريم.. وشأن كل العلماء كان خطاب سموه الى المتحدثين في قناة المستقلة عن الدولة السعودية ودعوتها الاصلاحية والأسرة الحاكمة، حديث عالم حليم استخدم حقه العلمي في تصويب أخطاء تاريخية وقع فيها ضيف البرنامج والمتحدثون، مع ان ما طرح في البرنامج كان افتئاتاً على التاريخ ولياً لأعناق الحقائق، إلا أن سلمان العالم لم يخرجه ذلك عن هدوء طرحه العلمي، وكأن الأمير آثر ان تكون تلك مناسبة ليلقن الجميع درساً في الحوار العلمي والخطاب القائم على رحابة الصدر وتحكيم منطق العلم. لقد انتصر سمو الأمير سلمان لتاريخ الدولة السعودية بذكاء العالم المخضرم، حيث استشهد بنص المؤرخ الفرنسي مانجان الذي انصف فيه الدولة السعودية، واختيار سموه شهادة مؤرخ عربي اشار بها من طرف خفي الى انها غير قابلة للطعن لأنها من غير ذي مصلحة، فيكون شاهداً محايداً على التاريخ. ومن الدروس المستفادة من مقال الأمير تلك الاضاءة التاريخية في اشارته الى التشابه بين اسمي الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وعبدالوهاب رستم صاحب الفرقة الضالة في الشمال الافريقي، هذا التشابه الذي استغله خصوم الدولة السعودية محاولة لتشويه سمعة الشيخ المجدد والدولة، في حين ان ساحتيهما بريئتان مما نسب اليهما. ولفت نظري في مقال الأمير سلمان ربطه أسر المنطقة وخصوصاً عندما تطرق الى العوائل التي مازالت تحتفظ بنسبها الى بني حنيفة، التي كانت سيدة الوادي (وادي حنيفة) ومن الحقائق التي تطرق اليها الأمير حنفية الأسرة الحاكمة الكريمة، وأنا في هذا الصدد انحاز بأمانة علمية إلى ما ذهب إليه سمو الأمير لأن قائمة من أوثق المصادر كلها تؤكد حنفية اسرة آل سعود التي عادت من القطيف إلى موطن القبيلة الأم لتكمل الجزء المهم من تاريخ هذه القبيلة الشهيرة. إن هذا الذكاء وتلك الدقة في الطرح وأيضاً ذلك التواضع من أمير الرياض بما له من مكان في قلوب الجميع، وبما على كاهله من أعباء وممارسته دور الباحث التاريخي الذي ينتصر لتاريخ بلاده، هذه كلها اعتبارات تدفعنا الى القول إن موقف الأمير سلمان هذا في عمومه لهو درس مستفاد على أكثر من صعيد، علمياً، وخلقياً، وانسانياً، وسياسياً، لأن الأمير سلمان بن عبدالعزيز لا يعرف خطاب الإقصاء فديدنه حفظه الله حوار المودة الحميم الذي يلم شتات الوطن ويشيع المحبة بين ابنائه.