* أوضح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز بعض من النقاط المهمة حول تاريخ الدولة السعودية ونسب الأسرة المالكة وذلك من خلال ما دار من حلقات في قناة "المستقلة" التي أدارها الدكتور الهاشمي وضيفه الفريح وبعض المداخلين الكرام. وها هو نص الخطاب الموجه. سعادة الدكتور محمد الهاشمي، سعادة الدكتور عبدالرحمن الفريح المحترمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تابعت ما دار في الحلقتين السابقتين من نقاش عن تاريخ الدولة السعودية ولاحظت أن هناك موضوعات طرحت تحتاج إلى إيضاح منها: أولاً: قامت الدولة السعودية على أساس الكتاب والسنة ولم تقم على أساس إقليمي أو قبلي أو ايدولوجي (فكر بشري). فقد تأسست على العقيدة الإسلامية منذ أكثر من مئتين وسبعين سنة عندما تبايع الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمهما الله - على نشر الإسلام وإقامة شرع الله عز وجل. وقد كتب المؤرخ الفرنسي مانجان عام 1239ه/1823م إثر سقوط الدرعية في كتابه (تاريخ مصر في عهد محمد علي) معرباً عن توقعه عودة قيام الدولة السعودية قائلاً: (ولكن ذلك البلد... يضم في جنباته بذور الحرية والاستقلال، فما زالت المبادئ الدينية نفسها موجودة، وقد ظهرت منها بعض البوادر، ومع أن أسرة آل سعود قد تفرقت، ومع أن الفوضى تعم بين الزعماء، فمازال هناك أسّ خصب يمكن للزمن والأحداث أن تجعله يتفتح من جديد)(1). وبسبب أساس الدولة السعودية وانتمائها هذا، هوجمت من قبل أعدائها منذ تأسيسها إلى اليوم، مستخدمين أساليب التشويه وإلصاق التهم بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، التي هي في الأساس تدعو إلى الإسلام كما جاء في الكتاب والسنة. لهذا ظهرت مصطلحات مثل (الوهابية) لتشويه تاريخ الدولة السعودية ومبادئها، وربطها بتلك الفرقة التي ظهرت في الشمال الإفريقي نسبة إلى عبدالوهاب بن رستم في القرن الثاني الهجري، القرن الثامن الميلادي، وعرفت بانحرافها العقدي وخروجها عن سنة نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام. ولقد أوضح الدكتور محمد بن سعد الشويعر هذا الربط الخاطئ لتشويه الدعوة الإصلاحية في كتابه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية)(2). وفي منى في عام 1365ه/1946م عند استقبال رؤساء وفود الحجاج، أوضح الملك عبدالعزيز هذا الأساس الذي تقوم عليه الدولة قائلاً: (يقولون إننا وهابيون والحقيقة إننا سلفيون محافظون على ديننا نتبع كتاب الله وسنة رسوله)(3) هذا هو أساس الدولة السعودية منذ أن انشئت. والسؤال هنا: هل يستطيع أحد أن يجد في تراث الشيخ محمد بن عبدالوهاب أي شيء ليس مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، لكي يصدق مثل هذه التهم والدعايات؟ ثانياً: تناول بعضهم في البرنامج مسألة دهام بن دواس ونسبته إلى قبائل أخرى مثل مطير وعنزة بينما ذكر الشيخ حمد الجاسر أن دهام بن دواس من آل شعلان من الجلاليل من بني حنيفة وأيده الشيخ عبدالله البسام استناداً إلى ما ورد لدى عدد من نساب نجد، أما نسبته إلى مطير فكان بسبب خروج أحد الجلاليل واسمه مجلي عند العفسة من مطير وصاهرهم فانتسب لهم بالحلف. والبلدة التي كان يسكنها الرياض مازالت تسكنها أسر من بني حنيفة مثل آل دغيثر، وآل حمود، وآل ريس، وآل زرعة، وآل النمر، وآل عساكر وغيرهم كثيرون ولا يزالون إلى اليوم معروفين بنسبهم إلى بني حنيفة. ثالثاً: تناول المتحدثون نسب أسرة آل سعود، وهناك من قال إنهم من تميم وذلك غير صحيح والذي يجمعهم مع تميم أنهم من نزار بن معد بن عدنان. وناقش بعضهم أن آل سعود من عنزة، ولاحظت أن هناك فهماً خاطئاً حيال تحقيق نسب الأسرة، وأن القصد هو نفي نسبتها إلى عنزة أو التشكيك في وائلية عنزة، وهذا غير صحيح. فآل سعود وفقاً للمصادر المحققة هم في الأصل من المردة من بني حنيفة من بكر بن وائل، وجدهم هو جديلة بن أسد أخو عنزة بن أسد الذي يجمعهم جد واحد هو ربيعة، وبذلك فإن عنزة هم أبناء عمومتهم. ولأن قبيلة بنو حنيفة تحضرت وبقي منها بعض الأسر المتحضرة التي تنتسب إليها، فقد أصبحت هذه الأسر تنتسب إلى عنزة باعتبار أنها هي الفرع الأساس المتبقي من ربيعة، وبرز اسم عنزة التي هي امتداد لقبيلة ربيعة، وأصبح المعروف أنها من وائل لأن عنزة القديمة تداخلت في قبيلة بكر بن وائل فصارت جزءاً من حلف اللهازم، وتداخلت قبائل بكر في عنزة ونسب الجميع إلى وائل. إن تداخل القبائل قديماً بعضها مع بعض معروف، والأمثلة على ذلك كثيرة فهناك قبائل قحطانية دخلت بها قبائل عدنانية والعكس وهكذا. لذا أصبحت قبائل عنزة وائلية بالتداخل وانضمت إليها كثير من القبائل الربعية ومنها بنو حنيفة، ولذا قيل إن آل سعود من عنزة لكونهم أبناء عمومة لبني حنيفة، ووائليون معهم بالتداخل. وقبيلة عنزة من القبائل الكبيرة التي تاريخها معروف، ووائليتها التي اشتهرت بها عن طريق التداخل معروفة، وذلك لا يتعارض مع نسبة آل سعود لبني حنيفة. ولو سئلت شخصياً لأجبت بأنني من بني حنيفة من بكر بن وائل من عنزة بسبب التداخل بين القبيلتين. كما نص العديد من المؤرخين على نسبة آل سعود إلى بني حنيفة ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ابن عيسى المتوفى سنة 1343ه/ 1924م الذي قال عندما تحدث عن أحداث عام 850ه: "وفيها قدم مانع بن ربيعة المريدي من بلد الدروع المعروفة بالدرعية من نواحي القطيف ومعه ولده ربيعة على ابن درع رئيس الدروع أهل وادي حنيفة، وكانت بينهم مواصلة؛ لأن كلاً منهم ينتسب إلى حنيفة، فأعطاه ابن درع المليبيد وغصيبة، فعمَّر ذلك هو وذريته، وكان ما فوق المليبيد وغصيبة لآل يزيد من بني حنيفة... إلخ"(4). كما أشار إلى ذلك عند كلامه عن وفاة الإمام فيصل بن تركي، حيث قال ما نصه: "وفيها - أي سنة 1282ه - لتسع بقين من رجب توفي الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريءدي، والمُرَدة من بني حنيفة... إلخ"(5). والمملكة العربية السعودية لم تقم على عصبية عندما قامت في أيامها الأولى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي. ولم يستند الملك عبدالعزيز على خلفيته القبلية هذه عندما أعاد تأسيس هذه البلاد؛ لأن شرعية هذه الدولة منذ أن تأسست إلى اليوم تقوم على الكتاب والسنَّة النبوية الشريفة. والدراسة التي لدى دارة الملك عبدالعزيز حول نسب الأسرة بها التفصيل المطلوب الذي لا يتسع المجال لذكره، وهي دراسة يشترك فيها مجموعة من الباحثين المختصين بالأنساب، الذين اجتمعت بهم وناقشتهم شخصياً، وستوضح هذه الدراسة تحت إشرافي جميع الآراء ومصاردها من المنظور العلمي، وذلك بهدف التوثيق. والمأمول من الباحثين والمهتمين عموماً الابتعاد عند الاختلاف عن أي جوانب عصبية، أو استخدام عبارات غير علمية، أو القول إن هناك تيارات تعمل ضد قبيلة أو أخرى وهو غير صحيح؛ لأن الاختلاف في الآراء مشروع والنقاش محمود إذا كان يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة. وأشكر لكم اهتمامكم ولجميع المشاركين على حرصهم. وتقبلوا تحياتي. @ رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز احدى المخطوطات التي تبين نسب الأسرة المالكة حيث جاء عن نسب الإمام سعود بن عبدالعزيز المتوفي سنة 1229ه ما نصه: سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة الوائلي الربعي اليزيدي من آل يزيد بني حنيفة. وعلى يمين المخطوط الاشارة عن وقت كتابتها وذلك في عهد الإمام تركي بن عبدالله آل سعود ( 1240- 1249ه) حيث قال: وعبدالله أبو تركي المشهور في هذا الزمن. وتحتفظ دارة الملك عبدالعزيز بعشرات المخطوطات والوثائق التي تشير إلى نسبهم من بني حنيفة وسيخرج ذلك في الاصدار بحوله تعالى الذي أشار له الأمير سلمان في هذا الخطاب. الهوامش: (1) فيلكس مانجان: تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على شبه الجزيرة العربية، (الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 1427ه)ص 188.(2) محمد بن سعد الشويعر. تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية. الرياض 1413ه (3) خطاب الملك عبدالعزيز في الاحتفال في منى لرؤساء وفود الحجاج، في 10ذي الحجة 1365ه الخطب الملكية، الجزء الأول، الرياض: دارة الملك عبدالعزيز 1419ه ص 148.(4) تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، ووفيات بعض الأعيان وأنسابهم وبناء بعض البلدان من (700ه إلى 1340ه)،، تأليف الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، الطبعة الأولى 1386ه، ص(36). (5) تاريخ بعض الحوادث. تأليف الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، منشورات دارة اليمامة الطبعة الأولى 1386ه، ص(36) وص(177) وانظر: الإفادات، مصدر سابق، ص( 56- 59).