أثناء بناء قصر المربع بالرياض، لاحظ الملك عبدالعزيز وهو يتفقد مبنى القصر الجديد، أن البَنَّاءْ (عامل البناء) نقش على مدخل قاعة الاستقبال، هذين البيتين: لسنا وإن كرمت أوائلنا يوماً على الأنساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا وحينما تأمل الملك المعظم بالبيتين، طلب من البَنَّاءْ أن يُعّدل البيت الثاني ليكون: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا لن أمل من تكرار إيراد هذه الحادثة الفطنة من مؤسس وطننا الطاهر، استمد منها عبرة وقيمة، جدير بأن نتأملها، ونستلهم منها ونتعلم، وأن نقتدي بغاياتها ومقاصدها ومعانيها وتحليلاتها، وما تضعه على كاهل الفرد والجماعة، تحثهم على البناء، والعطاء (فوق) ما بناه وأنجزه (السابقون).. كل في ميدانه، واختصاصه، ومجاله. فالذين يعملون (فوق) ما عمله سابقوهم سيرتقي، وينجز، ويجني، ويحقق أهدافه، ويعلو بناؤه.. أما من يكتفي بما بناه، وأنجزه (السابقون) فسيظل يحلب من ضرع السابقين.. حتى الجفاف. يقول الدكتور الغذامي في تعليقه على هذه الحادثة: هذا التحول من تعبير (مثلما فعلوا) إلى تعبير (فوق ما فعلوا) هو تحول بالوعي، لأن الملك قرأ ووعى، وأدرك بوعي أن تكرار العمل ليس مشروع تأسيس بقدر ما هو مشروع تقليد، وأدرك الفارق ما بين التقليد والمحاكاة من جهة، والتأسيس الريادي من جهة أخرى، ويعي أن المجد لا يماثل المجد الماضي.. بل (يجب) أن (يفوقه).. و«يتجاوزه».. يقول الدكتور الغذامي: وكما أن الملك عبدالعزيز يلزم نفسه بأن يفعل فوق ما فعل سابقوه، فإن الشرط الحضاري يجب أن يتوفر فينا نحن أيضاً، ونترسم صيغة العمل والتجديد الواعي، فنعتمد نحن مقولة أن نفعل فوق ما فعلوا، فإن لم يحدث ذلك فلا ريب أن موقعنا التاريخي سيصاب في سكون خطير، يؤدي في النهاية إلى الموات.. ... ولا أظن أن أية رياضي، ينتمي إلى خيمة الرياضة السعودية إلا ويسعى إلى أن يبني ويفعل (فوق) ما فعله السابقون، مقتدياً، ومستجيباً لوصية عبقرية الملك المؤسس.. وحتى ننهض جميعاً في بناء، واقع رياضي أفضل، ومستقبل رياضي مأمول، علينا أن نتعرف أولاً على ما نمتلكه من قدرات وأفكار وطموحات، وما لدينا من معوقات، وأخطاء، وأخطار، وما لدينا من إيجابيات وكفاءات وكنوز. إن من مهمة المؤسسة الرياضية أن تتعرف، وتعرف كامل (خارطة الرياضة) السعودية بمكنوناتها ومواهبها وآمالها وطموحاتها، واحباطاتها واشكالاتها، وكل شيء فيها، ما لها وما عليها، ما يمكن وما لا يمكن، ولكي تكون لدينا (الخارطة الكاملة) علينا سريعاً التأسيس ل«حوار رياضي» يضم كافة أطياف التكوين الرياضي السعودي. علينا أن نتعود الحوار، ونمارسه، ونتعلمه، ونجعله عادة ووسيلة صحيحة وصحية وعلمية تقود للبناء والعمل، للألفة والتآخي، لاكتشاف حقائق الأفكار وكفاءة الأشخاص، دون الركون إلى معرفة الأفكار والأفراد من خلال (وسيط) وتقييم الغير وظنيات وفراسة الأحكام، والتي تشكل المرض الفتاك الذي يثير جرثومة الفرقة والتهميش والإبعاد وظلم الوطن في اقتصار مشاركة العمل على فئوية محيطها دائرة ضيقة، محتكرة، تخاف وترعد وتزبد لنشؤ أي حوار، يتسبب في اتساع دائرة تداول المسائل والأفكار والآراء، ويوسع من حجم مشاركة العمل والبذل. إن «الحوار الرياضي» .. بات ضرورة تحتمها أبجديات الإصلاح والتصحيح والمشاركة في البناء والبذل للوطن الغالي الذي كلنا شركاء فيه، سواء بسواء، مثل بمثل..