تنبني رواية: فريدة لنعيم قطان المستوحاة من سيرة المغنية الكبيرة سليمة مراد، على خلفية مشهد تاريخ العراق سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، خاصة، الطائفة اليهودية فبعد وفاة الملك فيصل الأول عام 1933صار فراغ في السلطة العراقية واستغل وزير ألمانيا المفوض د. غروبَّا هذه الفترة بحكم نازيته أن يحرض العراقيين ضد بعضهم، وعندما نقول عراقيون فهناك العراقي الصابئي والأيزيدي والمسيحي بطوائفه والمسلم بطوائفه ضد اليهودي فاستطاع أن يوغر الصدور خلال السنوات الثلاث التالية فانفصل كثير من الموظفين العراقيين اليهود في الدوائر والوزارات الحكومية واغتيل مجموعة من الشخصيات المعروفة، وبعد أن قامت الحرب العالمية الثانية عام 1939، وبرغم الانفتاح الاقتصادي الحر والاجتماعي المتآخي دخل العراق نفقاً مظلماً لتصبح ثورة رشيد عالي الكيلاني حكومة، ولكنها سقطت أمام الوجود الأجنبي، وهرب الكيلاني، ومعه قائد الشرطة جواد - عاشق فريدة آغا - وكانت محاولة فاشلة دفعت بالجيش البريطاني للسيطرة فقدح شرارة حرب أهلية بين الطوائف فكانت على مدى يومين عمليات السلب والنهب للمتاجر والبيوت العراقية للطائفة اليهودية خاصة عام 1941تدعى (الفرهود) في غير الأحياء المختلطة، وتطور الأمر بعد تنامي حركات التحرر السياسي والاجتماعي والثقافي أن أشعلت الظروف التصادم بين القومية العربية من جهة والأحزاب الشيوعية من أخرى حيث كان أكثر أفراد الطائفة اليهودية منضوين تحت الأحزاب الشيوعية مما دفع حرس القومية العربية بالربط بين الشيوعية والصهيونية إذ نشأ بدخول البريطانيين ناد ذو ميول صهيونية أعد جناحاً عسكرياً، ولكنه حل فيما بعد وتحوَّل متدربيه ألغاماً مؤقتة في أية مواجهة مما أدى إلى عمليات تهجير العراقيين اليهود المنظمة. ففي عام 1950صدر قرار إسقاط الجنسية وفتح شركة طيران تنظم سفر العراقيين اليهود، وفي العام التالي جمدت الممتلكات والأموال لفترة ليست بالقصيرة مما فاقم الوضع وربما حدا ذلك سليمة مراد أن تتزوج ناظم الغزالي عام 1953وذكر أن كل الموسيقيين اليهود هاجروا منهم صالح وداوود الكويتي وعازفو الفرقة التي شاركت محمد القبانجي في مؤتمر الموسيقى العربية عام 1932حتى ألغي القرار في حكم عبد الكريم قاسم عام 1963، ولكن لم تكن الأوضاع هادئة بين العرب مسلمين ومسيحيين من جهة والعرب اليهود من أخرى، فما حدث في العراق حدث في مصر وتونس وليبيا والمغرب. استطاع نعيم قطان (مواليد بغداد عام 1928) ويعيش في كندا الآن، أن يقدم شحنة مشاعر مختلطة ومرتبكة بين أن تكون عراقياً أولاً ويهودياً ثانياً، ولكن الظروف تجعل منك يهودياً وتنسى أنك عراقي!. وليس هذا فحسب بل أن تكون امرأة يهودية وتغني. مغنية وليست مومساً!. ولكن يبقى الرجل يهودياً كان أو مسلماً يرى من تعرض صوتها يمكن أن تعرض جسدها. ولكن فريدة ترفض ألا أن تكون مغنية. جواد أحبها كامرأة وحماها بقوته كعسكري وليس كرجل مسلم. وحينها لا يحق أن يغار منه سليم. لأنه ليس يهودياً فقط بل متهماً في قضية قتل، وربما تلتصق فيه تهمة الرشوة والخيانة !. ولكن ماذا لو كانت فريدة امرأة مسلمة لا تستطيع الزواج من يهودي؟ إذن لرضي بالرجل الآخر من أجل الاحتفاظ بها. ولكن الأمور تحتكم إلى ظروفها. سيهاجر سليم، وتبقى فريدة تواجه الخوف والعزلة. ينتهي قطان في روايته :" قلَّ الهواء فجأة فاختنقت وضاق صدرها تحت وطأة إحساس غير متوقع: وماذا لو كانت الحياة نفسها وهماً؟". فعلاً بقيت سليمة مراد. برغم أن ناظم الغزالي مات. لم تترك بغداد. نهبوا وسلبوا طائفتها وبقيت.. سقطت الجنسية وبقيت. وجمدت الأموال والممتلكات وبقيت. انهزم العرب - العرب دوماً يُهزَمُون ! - وبقيت. وصداها ذاكرتنا المكشوفة والمسكوت عنها كما تقول أغنيتها الخالدة: "نوبة مخمَّرة ونوبة مغشَّاية صرتي للحسن ولأهل الحسن آية.. يا مَحءلَى العباية من تلبسيها وبحسنج قلوب الناس تسبيها .. قولي لي اشلون اوياك تاليها؟ ويايه شلِك يا حلوة من غاية؟.. نوبة مخمَّرة ونوبة مغشَّاية".