حملت الأضواء التي انطلقت من منصة الحفل الذي شهد تسليم جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للسعودة في موسمها السادس للمنشآت الخاصة المساهمة في توطين الوظائف رسالة إلى كل العاملين والقياديين في المجال الاقتصادي بأن السعودة لم تعد شأنا اقتصاديا محضا أو مجرد بوابة لتوفير وظائف للشباب الباحثين عن فرص للعمل بقدر ما أصبحت استراتيجية كاملة للحفاظ على الكيان الوطني من العبث والتأثيرات الخارجية على الهيكل الاجتماعي والاقتصادي فتشريف صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورعايته الكريمة لحفل تسليم الجوائز ورصده مقدما جائزة تحمل اسم سموه للشركات والمؤسسات والمنشآت التي تحقق تقدما في مجال توطين الوظائف يعني الكثير فقد عرف سموه بحاسته الأمنية الدقيقة وحرصه الكبير على مقدرات هذا الوطن ومكتسباته التي تشكلت عبر السنين ولا شك أن رعاية سموه لجائزة بهذا الحجم تعكس حرصه الكبير على وضع الأمور في نصابها الصحيح وتجعل من قضية السعودة ميدانا لإثبات الوطنية الصادقة ومدى الانتماء الذي تكنه الشركات العاملة في المملكة لهذا الوطن يأتي ذلك في وقت أثبت فيه السعوديون أنهم جواد رابح ورقم مهم في تحقيق الشركات للربحية. مسيرة الجائزة في مرحلتها السادسة تتزامن مع صدور عدة دراسات ميدانية وأكاديمية تشترك كلها في التحذير من التراخي في توطين العمالة وفتح المجال بدون ضوابط للعمالة الأجنبية لإزاحة الكوادر السعودية من أعمال أثبت الشباب السعودي أنها لم تعد صعبة عليه أو عسيرة التنفيذ بفضل العديد من برامج التدريب العملية التي باتت تحرز تقدما عبر المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وغيرها من الكيانات والهيئات الوطنية التي تعمل بمفردها أو من داخل منظومة الوزارات الحكومية مثل وزارة العمل بقيادة معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي ما يعني أن التعلل بعدم جاهزية الشباب السعودي للعمل في القطاع الخاص بات أمرا غير منطقي. وتثبت تلك الدراسات المتعاقبة أن فائدة السعودة لا تقتصر على المجال العملي وتوفير فرص اكتساب للشباب فقط بعد ما باتت تشكل إعادة تصحيح للبنية السكانية التي توشك أن تفقد هويتها جراء ارتفاع نسبة الأجانب خاصة أن نسبة كبيرة منهم لا تشارك المجتمع السعودي هويته وتاريخه ولغته بل ودينه كذلك كما أن السعودة من شأنها أن تحمي رأس مال الوطن الذي تستنزفه العمالة وهو ما يشير إليه حجم الحوالات خاصة الدول الآسيوية. إلى جانب دورها الرئيس في حل أزمة البطالة وتوفير الفرص الوظيفية للشباب. فرض عين ووفقا لما أوضحه الباحث الدكتور بكر بن زكي عوض في دراسة مقدمة إلى كلية الملك فهد الأمنية فان توطين الوظائف بات هدفا قوميا، ومصلحة اجتماعية، وضرورة شرعية من باب درء المفاسد، إلى جانب تأكيد دراسات شرعية أخرى على أن السعودة صارت الآن بمثابة فرض عين على الشركات التي لا تحتاج في إدارتها للعنصر الأجنبي ولم تعد بمثابة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين. وتذهب تلك الدراسات إلى أن المحافظة على الهوية الدينية يحتم السعي بإخلاص للحد من العوامل المؤدية للاستعانة بفصيلة من العمالة لا يردعها وازع من دين أو خلق والتي جلب كثير منها للبلاد شرورا دخيلة عليه وعلى تركيبته الدينية وعاداته وتقاليده المحافظة وذلك من خلال التأكيد على إحلال شباب البلاد مكان تلك العمالة لتجنيب الدولة شرها ومفاسدها التي لا تخفى. كما تحقق السعودة صيانة أمنية للوطن تحفظ مكتسباته الاقتصادية من خلال القضاء على ما بات يعرف ب التستر التجاري ويقصد به تمكين العمالة الوافدة من استثمار أو ممارسة نشاط تجاري لحسابها أو بالاشتراك مع غيرها بشكل لا يجيزه نظام استثمار رأس المال الأجنبي أو غيره من الأنظمة والتعليمات حيث يؤدي التستر إلى تهرب الوافد من الرسوم التي يتطلبها نظام الاستثمار الأجنبي من خلال عقد صوري بالراتب والميزات وتتوزع أكثر النشاطات التجارية والصناعية التي تجتذب المتورطين فيها على محلات البقالة التجارية، وبيع الأقمشة، إضافة إلى محلات تغيير الزيوت، مغاسل السيارات، الخراطة، السمكرة، والحدادة. وغيرها وهو ما بات يشكل خسارة اقتصادية للمواطنين ويحد من تفاعلهم التجاري داخل بلادهم. مفاسد تجارية وتستر وتشير الأبحاث الاقتصادية إلى أن من أخطر ما يشمله التستر التجاري عدد من الشركات الكبرى التي تعمل في المملكة تحت شعار التمثيل التجاري، وهو مصطلح وهمي يخفي حقيقة وطبيعة أعمال تلك الشركات المخالفة للأنظمة والقوانين القائمة، وما يزيد من خسارة الوطن بفعل تواجد تلك الشركات أنها تضم أعداداً كبيرة من العمالة الوافدة فيما تنعدم فرص توظيف العمالة المواطنة، وإن وجدت ففي أضيق الفرص لا تتعدى المجالات المُساعدة كالاستقبال والسنترال أو التعقيب لدى الجهات الحكومية، كما تقوم هذه الشركات في الغالب بتحويل أرباحها كاملة إلى حساباتها في البنوك الخارجية فيما لا تنفق محلياً سوى رواتب وأجور موظفيها الوافدين الذين يقومون بنفس عملية التحويل إلى الخارج، وهو ما يكلِّف الاقتصاد الوطني مليارات الريالات، إضافةً إلى تنحية آلاف العاطلين من الشباب السعودي عن اللحاق بفرصة عمل شريفة. والى جانب تلك التصرفات التجارية المسيئة للاقتصاد فان الجدوى الاقتصادية والعملية لجلب العمالة بدأت تأخذ أبعاداً غير تلك التي تعارف عليها الجميع حيث صار جلب العمالة ولاسيما الأجنبية غير العربية يتجه ومنذ عدة سنوات إلى إطار الاستهلاك لا الإنتاج أي إن أعداداً كبيرة منها صارت بلا فائدة كبيرة أو مردود إيجابي على عملية التنمية بالنسبة للمملكة بشكل عام. جرائم دخيلة على الوطن أما على الصعيد الأمني فإن زيادة أعداد العمالة الوافدة يستلزم زيادة نفقات الأمن الداخلي للحفاظ على الأمور الأمنية والسياسية مستقرة وأيضاً مراقبة تجمعات العمال الوافدين كما أن استمرار تدفق هجرة العمالة خاصة الآسيوية وانتشار البطالة بينهم يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة والانحراف وارتكاب جرائم الاعتداء على النفس والعرض والسطو على الأموال والسرقة والنصب والتزوير والاتجار في المخدرات وهو ما ترصده الجهات الأمنية في البلاد ويتم الإعلان عنه بين فترة وأخرى. لذلك كله ولأسباب أخرى كثيرة فإن جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للسعودة تشكل إحدى الوسائل الناجعة التي تتبعها الدولة لتشجيع وتحفيز منشآت القطاع الخاص للاهتمام بالموارد البشرية الوطنية، كما تهدف إلى تشجيع منشآت هذا القطاع التي تحقق أعلى نسبة في السعودة وتوطين الوظائف، بالإضافة إلى تعظيم مبدأ القدوة لكي تنهج المنشآت الأخرى نفس النهج الذي سارت عليه المنشآت الفائزة بالجائزة وإتاحة التجارب والمبادرات والحلول الابتكارية في مجال تأهيل وتدريب وتوظيف العمالة الوطنية في مؤسسات القطاع الخاص. أيضاً تعد الجائزة اعترافاً وتقديراً لدور هذه المنشآت في دعم سياسات السعودة وتوطين الوظائف وتقديمها كنموذج لتفاعل القطاع الخاص مع سياسات الدولة الرامية إلى توظيف القوى العاملة الوطنية واستثمارها بما يعود على الوطن بالخير والنماء.