لفظة (المعروف) من الإيجاز الرائع في لغتنا العربية، فهي تعبر عن كل خير، وعن كل عون تقدمه للآخرين، وعن كل معنى جميل.. وعكس المعروف (المنكر) وهو ايضاً لفظ جامع لكل تصرف منبوذ مكروه.. والعرب يحبون المعروف ويحضون عليه، ويعبرون عنه بعدة ألفاظ، قال الحطيئة: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس أما ديننا الحنيف فيحض على المعروف أشد الحض، ويعتبره من مكارم الأخلاق.. وفي شعرنا الشعبي حب للمعروف، ودعوة لفعله، يوصي به الآباء الأبناء كما قال المرحوم سليمان بن شريم يوصي ابنه: اوقم للضعيف اللي من الظلم يتحاك اوقم للضيوف اللي عنوالك وضافوك ويعبرون عن هذا المعنى الجميل (المعروف) بعدة الفاظ كالشهامة، والنفع، والبر، قال محمد بن مسلم رحمه الله: ما البر بين الناس الا ذخيرة كما قال ربك والاحاديث جات به والخير.. أو خيار الأمور كما قال رميزان: وخيار الاشيا ما قضى نوب الفتى فالدهر مغلوب ونوب غالبا عش ما تعيش فكل حي ميت وحش ما تحوش فكل شي ذاهبا ويعبرون عنه بلفظة (الطيب) قال ماجد القباني: فما الناس الا من تراب ومعادن وما طاب من تلك المعادن طاب ويكرهون جداً من يمنع معروفه عن أقاربه خاصة، قال عبدالله بن دويرج: محا الله نفس تدرك الجود والثنا ولا تبذل المعروف باقرب قريبها ويعتبرون المعروف واجباً على صاحب المال، قال راشد الخلاوي: ومن كان ذا مال ولم يكسب الثنا فلا المال موفور ولا الحال كاسبه ولا خير في حال غلا المال دونه ولا خير في مال حوى ذم صاحبه وما للفتى إلا لبوسه وقوته وما قدمه لله في يوم واجبه ومما يدلك على شهامة الوجدان الشعبي لدينا أنهم يعبرون عن المعروف (بالمراجل) و(المواجيب) و(المواجب) وهذا يعني ان المعروف واجب على القادر، ولا شكر على واجب.. ويذكرون المعروف باسم الإحسان، وضده الشر، قال راكان بن حثلين: الإحسان يا ابن عبيد يجزى بالاحسان والشر تنطحه الوجيه الشريره ما قل دل وزبدة الهرج نيشان والهرج يكفي صامله عن كثيره! والمعروف هو الطيب قال الشاعر: الطيب يخلق مع قلوب الرجاجيل مهوب في بنك التجارة.. تجارة! ويقول رضيمان الشمري مستشهداً بقول راكان السابق: راعي الحساني ينتجازى بالاحسان وراعي الشتايم ما لنا فيه راده الهرج يكفي مثل ما قال راكان: ما قل دل، وقل هرج سداده! وأجود المعروف ما جاء وقت الشدة والضيق قال زبن بن عمير: كما قيل من لا جاد والوقت قاسي كل إلى جاد الزمان يجود وصاحب الفزعة والمعروف ينطوي على جوهر في داخله، وفجر رائع وذلك أهم من الشكل والمظهر، قال لحدان الكبيسي: لا خير في عمر الفتى وحياته ان كان ما يحضر الى سمع الندا تظهر وجيه اللي لهم قدايم على منال العز وافعال الندا كم ضد عسر الوقت رجل مطلق ومذلل ذيب الظلام الاجردا فلا تزدرون الطيبين بلبسهم كم ماضي جوهر وفي غمده صدا لو كان في حسن الملابس مفخرة ان كان اخير الطايرات الهدهدا..! لا ريت للهدهد تراه متوج ومشكل ريشه وياقع في الردى! وهذا يذكرني بقول عمرو بن معد يكرب: ليس الجمال بمئزر فاعلم وان كسيت بردا ان الجمال محاسن ومآثر اورثن مجدا.. والمعروف هو (الجمال) الذي لا يزول مع الأيام.. قال ابن ابي مرة المكي يخاطب زوجته عنها ويتحدث معها وعنها في قصيدة من اجمل قصائد العرب: تقول: اتئد لا يدعك الناس مملقاً وتزري بمن تسعى له وتعول فقلت: ابت نفس علي كريمة وطارق ليل غير ذاك يقول ألم تعلمي، يا عمرك الله، أنني كريم على حين الكرام قليل وأني لا أخزى اذا قيل مملق سخي، واخزى ان يقال بخيل فلا تتبعي العين الغوية وانظري الى عنصر الاحساب كيف يؤول ولا تذهب عيناك في كل شرمح له قصب جوف العظام طويل (1) عسى ان تمنى عرسه انني لها به، حين يشتد الزمان، بديل (2) اذا كنت في القوم الطوال فضلتهم بعارفة حتى يقال طويل ولا خير في حسن الجسوم وطولها إذا لم يزن حسن الجسوم عقول وكائن رأينا من فروع طويلة تموت إذا لم تحيهن أصول فإن لا يمكن جسمي طويلاً فإنني له بالفعال الصالحات وصول ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل ---------- (1) أسيل: طويل ممدود الأعضاء باهر المنظر (2) عرسه: زوجته