استبشر سوق العمل السعودي خيرا حينما اصدر معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي قرارا وزاريا في العشرين من شهر صفر 1429ه يتم بموجبه احتساب المعوق الواحد عن أربعة في نسبة السعودة في المنشآت الأهلية عند تسجيلها بيانات العاملين في مكاتب العمل. وألغى القرار التوجيه السابق باحتساب المعوق الواحد عن ثلاثة في نسبة السعودة. وتضيف الوزارة أنها تولي اهتماما خاصا بتوظيف المعوقين وإعطائهم الأولوية في التوظيف وفق مؤهلاتهم وما يناسبهم من أعمال. ودون شك فإن صدور مثل هذا القرار سيفتح آفاقاً واسعة أمام إيجاد الفرد المعوق لذاته من خلال العمل والإنتاج. ورغم أن بعض القطاعات الخاصة ستتجه لاستغلال هذا القرار (فقط) لصالح زيادة نسبة السعودة دون الوعي الذاتي بأهمية توظيف المعوقين - بدليل انه من المتوقع بل الأكيد أن نسبة توظيف المعوقين ستتخطى نسبا عالية قياسا بالشهور أو السنوات التي سبقت هذا القرار - إلا أننا يجب أن نستغل هذه المرحلة بإضفاء الدراسات العلمية اللازمة للوقوف على تأييد أو نقض الصور النمطية المتضمنة لعمل المعوق ذلك أن تلك الدراسات قد تجعل من توجه القطاع الخاص نحو توظيف المعوقين أمرا مهنيا ولازما لرفع عملية الإنتاج والأداء دون النظر للجانب الإنساني الذي من الممكن (إذا استخدم وحده) أن يكون مؤثرا سلبيا على عملية توظيف المعوق واعتبارها عبئاً على بيئة العمل والإنتاج. ومن المهم ألا يغيب على قطاعاتنا الخاصة بعد صدور هذا القرار تخصيص برامج تدريب وتوظيف تتواءم والمرحلة التي نعيشها في تاريخ تدريب وتوظيف المعوقين فاتخاذ هذه الخطورة أمر أساسي لنجاح مشروع بهذا الحجم. وليس حريا بقطاعات العمل ان تنتظر الشباب من هذه الفئة للعمل مباشرة دون المرور بمرحلة التدريب التطوير. وإذا كان الشباب الصحيح جسديا لم يكن يصلح للعمل دون تدريب وتطوير فكيف بفئة المعوقين التي حرمت - بسبب النظرة الدونية - من التدريب والتوظيف لسنوات طويلة. ولعلنا في هذا السياق نتطرق لوضع توظيف المعوقين عالميا. ففي الثالث من ديسمبر الماضي أصدرت منظمة العمل الدولية تقريراً تفصيلياً عن فرص وتحديات توظيف الأفراد المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة على المستوى العالمي في الوقت الراهن، وجاء إصدار التقرير بالتزامن مع اليوم العالمي لمتحدي الإعاقة. وقد رصد التقرير العديد من الإيجابيات التي طرأت على المشهد العالمي المتعلق بإتاحة فرص العمل أمام المعوقين خلال الأعوام القليلة الماضية، ولعل أبرز تلك الإيجابيات أن النظرة العامة للموظف المعوق أو ذي الاحتياجات الخاصة في أغلب دول العالم لم تعد تعتبره عالة أو نقطة ضعف لابد منها في المنظمات لدواع قانونية، وإنما باتت تعتبره موظفاً عادياً قادراً على العمل بكفاءة وأداء أغلب المهام التي يمكن أن يؤديها الموظف السوي ومصدر هذه النظرة بالطبع هي الانخراط المثالي للموظف المعوق في بيئات العمل. ولتنامي تلك الرؤية الجديدة للقدرات الوظيفية للأفراد ذوي الإعاقة، فقد سجل عدد الموظفين المعوقين الذين تم توظيفهم على مستوى العالم في النصف الأول من العام 2007نمواً بمعدل 4%، مقارنة بمعدل 2.5% في الفترة نفسها من العام 2006.وبالمثل، فقد رصدت منظمة العمل الدولية العديد من التغيرات الإيجابية الأخرى على مستوى فرص وظروف العمل المتاحة أمام الأفراد المعوقين، ومن أبرز تلك التغيرات: - ارتفاع معدل الأجر الذي يتقاضاه الموظفون المعوقون، في المتوسط، بما يعادل 2% أعلى من معدل الزيادة الطبيعية التي حصل عليها الموظفون غير المعوقين في دول أوروبا الغربيةوالولاياتالمتحدة في النصف الأول من العام 2007.- تغير نوعية الوظائف المتاحة أمام الموظفين المعوقين، حيث شهدت الفترة منذ مطلع الألفية الثالثة وحتى منتصف العام 2007نمواً ملحوظاً في معدلات دخول الأفراد المعوقين - وبخاصة في الدول الصناعية المتقدمة - إلى مجالات مهنية جديدة لم يكن من السهل عليهم ولوجها من قبل، مثل مجال الخدمات العلاجية والاجتماعية ومجالي برمجة الحاسب الآلي والتدريس. وبقول آخر، فقد ألقى التقرير الضوء على حقيقة جديدة مهمة مفادها أن فرص وظروف العمل التي يحظى بها الأفراد المعوقون اليوم في أغلب دول العالم هي أفضل بمراحل مما كان أقرانهم يحصلون عليه في الماضي القريب. - توسع أغلب حكومات العالم في سن قوانين تلزم منظمات الأعمال المختلفة، ولاسيما المتوسطة والكبيرة الحجم، بأن تشتمل القوى العاملة بها على نسبة معينة أو حد أدنى معين من العاملين المعوقين، حيث وجد التقرير أن 83% من الدول التي غطاها كانت لديها قوانين من هذا النوع. - وأخيراً وليس آخراً، فقد رصد التقرير توجه العديد من المنظمات المتوسطة والكبيرة الحجم حول العالم نحو تعيين موظفين معاقين تتجاوز نسبتهم إلى العمالة الكلية بتلك المنظمات نسبة الحد الأدنى المقررة حكومياً. وعلى سبيل المثال، فقد وجد التقرير أن أكثر من نصف الشركات المساهمة الألمانية توظف لديها من العاملين المعوقين ما تتجاوز نسبته الحد الأدنى المقرر حكومياً بما يتراوح بين النصف والضعف. ويشير التقرير إلى العديد من المزايا التي تجنيها الشركات التي تتوسع في تعيين أفراد معاقين وفي توفير فرص وظروف عمل متميزة لهم، ومن تلك المزايا ما يلي: - توسيع قاعدة الاختيار المتاحة أمام الشركة، فكثيرون من الأفراد المعوقين يتمتعون بقدرات عقلية وسلوكية (وربما حتى جسدية) يفتقدها كثير من الأسوياء. - تجنب التعرض للملاحقات القضائية التي كثيراً ما تترتب على التحيز التنظيمي ضد الأفراد المعوقين، سواء من حيث الاختيار والتعيين أو من حيث مستويات الأجور أو عمليات تقييم الأداء أو إتاحة فرص التدريب والترقية. - التمتع بسمعة طيبة في السوق والظهور في صورة المنظمة التي تحترم حقوق الأنسان وتلتزم بمسؤوليات مجتمعية تتجاوز مجرد فكرة تحقيق الأرباح عبر إشباع احتياجات المستهلكين. وعلى الرغم من كل الأخبار والتطورات السارة التي أوردها التقرير في القسم الأول منه ، فقد انطوى القسم الثاني من التقرير على تناول تفصيلي لعدد من أبرز التحديات والمشكلات التي مازالت تواجه الأفراد المعوقين في مواقع العمل وتحد بوضوح من قدرتهم على التكسب وعلى إثبات قدراتهم واستخدام مهاراتهم ومعارفهم على نحو يحقق لهم نجاحاً وظيفياً واجتماعياً يستحقونه في أغلب الأحيان. فقد رصد التقرير العديد من الاتجاهات السلبية التي مازالت سائدة في العديد من دول العالم فيما يخص المناخ العام المحيط بتوظيف الأفراد المعوقين، بما في ذلك: - الميل إلى عدم توظيف المعوقين المنتمين إلى جماعات الأقليات العرقية. ففي الولاياتالمتحدة، على سبيل المثال، نجد أن نسبة البطالة بين المعوقين من ذوي الأصول الإفريقية أو اللاتينية أعلى بنحو الضعف منها بين المعوقين ذوي البشرة البيضاء. - الميل إلى تأخير ترقية الموظفين المعوقين. فقد وجد التقرير أن الموظف المعوق في اليابان - على سبيل المثال - عليه أن يمضي نحو خمسة أرباع الوقت الذي يجب على الشخص السوي أن يقضيه في وظيفة ما أو في مستوى تنظيمي ما إلى أن يحصل على ترقيته التالية. - الميل إلى عدم تعيين الموظفين المعوقين على الإطلاق في وظائف بوسعهم أن يؤدوها بكفاءة مقبولة، مثل وظائف مندوبي المبيعات غير المترجلين. ويشير التقرير إلى أن هذه الظاهرة وحدها تتسبب في خسارة الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة - كمثل - لنحو بليوني دولار سنوياً في صورة تكلفة فرص بديلة وفرص مبيعات مهدرة. أمام تلك الرحلة التي استعرضناها حول توظيف المعوقين في العالم عبر تقرير منظمة العمل الدولية نجد أن القرار الذي أصدرته وزارة العمل يتزامن مع توجهها عالميا لتوظيف المعوقين وإيقاف التمييز الذي يمارس ضدهم في اعتبارهم أدوات غير إنتاجية. ولا نملك إلا أن نشكر وزارة العمل على هذه المبادرة التي ستؤتي ثمارها في تغيير نظرة المجتمع (واقعيا) عن المعوق. ليصبح بفضلها عنصرا بشريا محكه الرئيسي كما غيره العمل والإنتاج. [email protected]