كلما ذهبنا باتجاه الدولة المدنية، ذهب بنا البعض جهة القبيلة، وكلما تنامت بين أيدينا أدوات الدولة الحديثة خاصة في مجال الاتصال سخّرها البعض لخدمة القبيلة. ما الذي يحدث؟ ولماذا؟ ولصالح من؟. ما أعرفه وأؤمن به أن جلالة المغفور له إن شاء الله الملك عبد العزيز كان قد أنجز فيما أنجز بعد تمام الوحدة الترابية تلك الوحدة العضوية التي حولت المجتمع إلى نسيج واحد عنوانه المواطنة ولا شيء سواها.. منذ أن بكر في توطين البادية ليستنقذ مشاعر الانتماء للمجال الحيوي الذي يخضع لسيطرة القبيلة، وليذيبه في قالب الوطن والهوية الوطنية. غير أن الذي حدث أننا نظمنا الراليات الدولية، بكل ما تحتاجه من التجهيزات العصرية، فلم يعد الفارس بحاجة إلى أن يفتش في كبد السماء عن موقع الجدي ليهتدي إلى مبتغاه، بعد أن بات في متناول أحد أصابعه جهاز كمبيوتر صغير يستطيع أن يضعه في أصغر إحداثية على وجه الأرض.. ومع هذا فقد ظلت القبيلة حاضرة على الطريق نحو حلبة السباق، وكأنما أردنا أن نجمع الشتيتين!. ونظمنا مسابقات الشعر الشعبي باسم الأدب، وضرورة الحفاظ على الموروث، وإذا به يأتي إلينا بالشعر وقصائد الشعر، ولكن دون خيام الشعر (بفتح الشين) مغلفاً ب (لابتي يا لابتي)، وكل ما في الأمر أنه استبدل ظهور الإبل، وصهوات الجياد بحزم البث الفضائي، وتقنيات الديجتال والبلوتوث، والتي تنضح بعنصرية بغيضة.. رسائل الجوال تقول هذا!. لا بل كل ما في الأمر أننا انتزعنا (الوسم) من رقاب الإبل إلى زجاج السيارات!. والتلميذ الذي فاته وهو على مقاعد التعليم المبكر أن يسأل أستاذه عن مسألة علمية، ولم يفته أن يسأله : من أيّ قبيلة أنت؟.. كما جاء في (الرياض) على صفحتها الأولى الاثنين الفائت، ما هو إلا ضحية من ضحايا ثقافة الردة بالتقنيات الحديثة. والمؤسف أننا كخليجيين ولا أستثني أحدا هنا، أننا ورغم كل ما نعرفه من خطورة تعدد مستويات الهوية على البناء الاجتماعي، ورغم قربنا من تجربة الأشقاء في اليمن الذي أتمنى أن يظل سعيدا على الدوام، وهي تجربة مريرة بالتأكيد، أننا لم نتعامل مع هذه القضية بما تستحق من الاهتمام والدراسة، وكأن شيئا لم يكن!.. وهو ما دفعني للعودة مجددا لهذا الأمر علّ وعسى!.