لم يكن مستغرباً حجم التصفيق والهتاف الذي أرسله الجمهور تجاه السيد مسعود أمر الله آل علي في ليلة افتتاح مهرجان الخليج السينمائي، وذلك لأن هذا الجمهور المكوّن من مخرجين وكتاب وممثلين يعترف بفضل مسعود أمر الله في تأسيس تظاهرتين سينمائيتين احتضنتا أحلام وتجارب السينمائيين الخليجيين في السنوات السبع الماضية هما "مسابقة أفلام من الإمارات" التي كانت تقام في مدينة أبوظبي ومهرجان الخليج السينمائي الذي تجري فعالياته الآن في مدينة دبي. فلولا مسعود ومن دون هاتين التظاهرتين لما أمكن ولادة نجوم سينمائيين شباب يعوّل عليهم مستقبل السينما الخليجية الشيء الكثير مثل نواف الجناحي وعبدالله بوشهري وعبدالله آل عياف وعبدالله حسن ومحمد بوعلي وغيرهم من المخرجين الشباب الذين ولدوا من رحم "مسابقة أفلام من الإمارات" واكتسبوا الوعي من خلال احتكاكهم بمعلمهم وعرابهم الأول مسعود أمر الله. في ليلة الافتتاح كانت فرصة هؤلاء الشباب ليعبروا عن تقديرهم وامتنانهم للرجل الذي ضحى بوقته وجهده في الثلاثين سنة الماضية لكي يخلق لهم هذا المناخ السينمائي الذي تنفست من خلاله أفلامهم.. إنها لحظة تتويج مسعود أمر الله أباً للسينما الخليجية ورائداً حقيقياً من رواد النهضة الثقافية الخليجية في الألفية الجديدة. وريادته ليست مزيفة كما البعض الآخر الذي يدعي الريادة من دون أن يبذل أدنى جهد يجعله مستحقاً لهذه الريادة. إن مسعود يختلف عن هؤلاء في بذله وفي إخلاصه وعشقه للسينما عشقاً حقيقياً وفي أنه لا يسعى لأمجاد شخصية قدر بحثه عن مناخ يمارس فيه عشقه الأزلي للسينما، فمن يلتقي به ويرى تواضعه وبساطته وبعده عن الإعلام رغم كل ما قام ويقوم به ورغم كل إنجازاته الملموسة سيدرك سبب احتلاله هذه المرتبة من التقدير والإجلال في نفوس كل سينمائيي الخليج. وإذا كان السينمائي الشاب يعاني هذه الأيام من غربة في مجتمعه رغم كل أدوات العولمة المحيطة به والتي تتيح له ممارسة هوايته السينمائية ومتابعة التطورات التي تجري في البلدان الأخرى أولاً بأول وبكل سهولة، فماذا نقول عن حال السينمائي الخليجي في بداية الثمانينات الميلادية، قبل نحو الثلاثين عاماً، حين لم تكن المجتمعات الخليجية قد خلعت عن نفسها رداء البداوة ولم تعترف بعدُ بأي منشط ثقافي شفاهي ناهيك عن فن مركب ومعقد مثل السينما، في تلك الفترة الصعبة الجافة ابتدأ شغف مسعود بالسينما فكان يخترع الوسائل من أجل الحصول على صحيفة عربية أو أجنبية تتحدث عن السينما وكان يسافر من بلد إلى آخر بحثاً عن فيلم مشهور، وقد ظل على هذه الحال، وحيداً، يصارع أمواجاً من التجاهل والإهمال. ولأنه في الأصل شاعر فقد كانت لديه رؤى ومقولات يريد إيصالها للناس، وقد اختار السينما وسيلة لذلك، لكنه في ذلك الوقت من منتصف التسعينات، حين حقق فيلمه القصير الأول، لم يكن يدري متى ولا أين سيعرض هذا الفيلم، إضافة إلى عدم يقينه من جدية الجمهور في التعاطي مع نشاط جديد مثل السينما، وقد جعلته هذه المعضلة يفكر في ابتداع وسيلة تجمع عشاق الأفلام في مكان واحد، وبالتالي يحقق إمكانية عرض فيلمه وأفلام غيره أمام جمهور مهتم ومدرك لأبعاد الفن السابع. وهذا ما صنعه بالفعل حين قام وبجهد فردي خالص بجمع كل الأفلام الإماراتية الطويلة والقصيرة التي أنتجت حتى حينه مهيئاً بذلك الفرصة الأولى لالتقاء محبيّ الفيلم في دولة الإمارات، وكانت هذه الخطوة بمثابة الشرارة التي جعلته فيما بعد يصرّ على استحداث تظاهرة رسمية تحتضن هؤلاء السينمائيين برعاية الدولة وتدار بطريقة مؤسسية تضمن استمرارها، ومن هنا جاءته فكرة مسابقة "أفلام من الإمارات" التي ظل يلحّ عليها لسنوات حتى انتزع موافقة المجمع الثقافي في أبوظبي على تأسيسها وانطلاقها عام 2001بإدارة مسعود أمر الله نفسه. الموافقة الرسمية على تأسيس هذه المسابقة أدخلت مسعود في مأزق كبير فمن أين سيأتي بالأفلام وهل في الإمارات أصلاً حركة سينمائية تستطيع أن ترفد المسابقة بالأعمال التي يتطلبها نشاط من هذا النوع، ولحل هذه المشكلة اتجه إلى كل منفذ له علاقة بالأفلام مثل الكليات والجامعات فحفّز الطلبة للمشاركة بمشاريع تخرجهم المرئية، وجمع كل عمل إماراتي مصور من دون الوقوف عند مستوى جودته، لأنه كان يرى أن الأهم في تلك المرحلة هو التركيز على الكم وحشد أكبر عدد ممكن من المهتمين الذين إذا وجدوا من يرعاهم ومن يوفر لهم الدعم فسيصنعون مستقبلاً أفلاماً أجمل وأجود من أفلامهم الأولى. وهكذا انتهت الدورة الأولى من المسابقة بنجاح مذهل وبمشاركة عدد كبير من الأفلام القصيرة جعلت المسئولين في المجمع الثقافي يدركون أنهم أمام ثورة سينمائية قادمة خطط لها المخلص والمؤمن مسعود أمر الله. وجاءت الدورة الثانية ثم الثالثة وتبعتها الرابعة والخامسة والنجاح يتضخم وعدد المشاركين يزداد ليس من الإمارات فحسب بل أيضاً من الخليج الذي بدأ سينمائيوه الشباب يلتفتون إلى ذلك الشعاع الصادر من العاصمة الإماراتيةأبوظبي. وقد تم في الدورتين الخامسة والسادسة من المسابقة إدراج الأفلام الخليجية بشكل رسمي لتتنافس مع زميلاتها الإماراتية على الجوائز، وإلى ذلك الحين كانت نظرية مسعود أمر الله هي أن يحتوي ويحتضن السينمائيين الشباب مهما كان مستواهم وقد أثمرت هذه النظرية عن ولادة مبدعين شباب ما كان لهم أن يبرزوا بهذه السرعة لولا هذه المسابقة مثل نواف الجناحي وعبدالله حسن ووليد الشحي من الإمارات وعبدالله بوشهري من الكويت ومحمد بوعلي من البحرين ومن السعودية عبدالله آل عياف وهيفاء المنصور. كان هدف مسعود المعلن من هذه المسابقة هو "توريط" المبدع الشاب واستدراجه إلى عالم الإنتاج السينمائي لأنه يرى أن السينما "ورطة" من يعلق فيها لن يستطيع تركها بأي حال وسيبقى أسيراً لها حتى النهاية.. مثلما هي حاله.. ومثلما هي حال المخرجين الشباب الذين تخرجوا على يده في مدرسة "مسابقة أفلام من الإمارات". كل هذا النجاح لم يكن مرضياً لمسعود أمر الله فهو لم يصل بعد إلى نقطة الأمان التي يطمئن فيها على مستقبل الحركة السينمائية الشابة ولهذا شد رحاله إلى دبي حاملاً فكرة واحدة ألا وهي تأسيس مهرجان خاص بالسينما الخليجية يكون قائماً بذاته بعيداً عن الوصاية المباشرة لأي جهة حكومية فأثمرت خطوته هذه عن مهرجان "الخليج السينمائي" الذي بدأ منذ أيام دورته الأولى بنجاح كبير هو استمرار لنجاحات مسعود السابقة وتتويج لكل كفاحه السينمائي الذي بدأه منذ ثلاثين عاماً حين كان هاجسه فقط أن يجد من يشاركه اهتمامه. والآن وأنت ترى الشباب الذين بدأوا يتلمسون طريقهم الواثق نحو الصنعة السينمائية، وهم يعتلون شاشات الفضائيات ويتصدرون وسائل الإعلام باعتبارهم مخرجين مبدعين، تعجب من ذلك الشخص النحيل الذي يقف هناك في الخلف لوحده متوارياً عن الأنظار وكأن ليس له علاقة بما يجري هنا وكأنه لم يصنع كل ذلك.. هذا هو مسعود أمر الله.. الذي ضحى من أجل أن يتنفس غيره، وتعب من أجل أن يرتاح غيره، وكافح من أجل أن يحقق الشهرة غيره.