الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنّ الناظر في أصناف الناس يرى تفاوتًا عجيبًا في طبائعهم وصفاتهم وأخلاقهم، وهذا من حكمة الله تعالى. ومن تأمَّل في جلسائه وجيرانه ومعارفه رأى مصداق ذلك؛ فمن الناس من يغلب عليه الغضب، ومنهم من يغلب عليه التشاؤم، ومنهم من يغلب عليه الحسد... وفي المقابل منهم من يغلب عليه الحلم، ومنهم من يغلب عليه التفاؤل، ومنهم من يحبّ الخير لغيره كما يحبُّه لنفسه. والجامع لذلك كلِّه حسن الخلق أو سوء الخلق. ولذا كثرت الأخبار النبوية في مدح حُسن الخلق والثناء على أهله، والحثّ على سلوكه، وفي المقابل كثرت الأخبار النبوية في ذمّ سوء الخلق وذمّ أهله والتحذير من سلوكه، ومن شواهد الأحاديث النبوية قوله: "إنّ خياركم أحاسنكم أخلاقًا". وقوله: "البِرُّ حُسن الخلُق..." وقوله: "إنّ المؤمن ليُدرك بحُسن خلُقه درجةَ القائم الصائم" . وقوله: "ما من شيء في الميزان أثقل من حُسن الخلق" . بعد هذه المقدّمة يقال: إنّ من الناس من يوصف بحُسن الخلق ويشتهر بذلك، فتشتاق النفوس إلى رؤيته والتعرّف على محبة لشخصه ووصفه، ومن الناس من يوصف بسوء الخلق ويشتهر به فتشمئزّ النفوس من سماع اسمه وتكره رؤيته لسوء خلقه. وإذا كان ذلك كذلك فأقول: لقد عرفتُ عددًا كثيرًا من أسرة آل عجلان - من بلد الرغبة - فرأيتُ في أشخاص تلك الأسرة أخلاقًا كريمةً وصفات حميدة؛ من التواضع، والترابط الأسري، والتحفِّي بضيوفهم طبعًا لا تكلّفًا، ويجمع ذلك كلّه حُسن أخلاقهم، وهذا الوصف في تلك الأسرة أمرٌ تشهد به أقوالهم وأفعالهم، نحسبهم كذلك والله حسيبهم، زادهم الله تعالى توفيقًا وسدادًا. وكان ممَّن تعرّفتُ عليه من أفراد هذه الأسرة الكريمة: الأستاذ الوجيه أبو عجلان عبدالله بن محمد السعد آل عجلان، وقد سمعتُ عنه ثناءً كثيرًا من إخوانه الوجهاء الأكارم: عبدالعزيز، وسعد، وفهد، وخالد، وأولاده: عجلان، ومحمد، وبقية إخوانهم، وبعض أبناء إخوته وأخواته؛ من تواضعه، وكرمه، ومحبّته للصِّغار، وصلة الرَّحم، ورحمته للعمالة العاملين عندهم، ومحبة الصدقات، حتى علمت أنّ سمعته الطيِّبة أمرٌ متواترٌ بين أفراد الأسرة، بل وخارجها. ومع أنّني لم أتعرَّف عليه إلّا بضعة أشهر خلال فترة مرضه، إلّا أنّني رأيتُ مصداق ذلك من خلال مجالس خاصة بيني وبينه في منزله أثناء مرضه، ومن أعظم ما رأيتُ فيه كثرة حمده لله تعالى وشكره له أن أنعم عليه بنعمة الإسلام، وكان يُقسم بالله أمامي أيمانًا مغلّظةً أنّ أهمَّ ما عنده أن يلقى الله وهو راضٍ عنه. وكان أيضًا يُكثر من التحدّث بنعم الله عليه؛ من الذرِّية الصالحة، والمال الحلال، ثم ينتقل إلى الحديث عن صحَّته ويتحدّث عن حالته المرضية ويقول: سأموت سواء شفيت من مرضي أم لم أُشءفَ، فالموتُ لا بدّ منه، وأحمد ربِّي أنني لم أدعُ غير الله ولم أركع وأسجد لغير الله، وكان يُعظّم شأن توحيد الله تعالى ويُكثر من ذلك. أسأل الله أن يجعله ممَّن يشملهم الحديث: "من لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنّة" . وكان يقول لي: أرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحدٌ بمظلمة عنده، وذكر لي بعض الأخبار عن علاج بعض الفقراء، والإنفاق على أُسَرهم، والتعاطف مع بعض المساكين، ويُخبرني أنّ بعض هذه الأمور لم أُخبِر بها إلّا أنت. ولمّا تضاعف عليه المرض كنت أتردَّد عليه حتى ليلة موته، ويشهد الله تعالى أنني لم أره متجزِّعًا ولا متسخِّطًا من قدر الله تعالى، بل تقرأ في قسمات وجهه الصبر والاحتساب، ولم أذكر هذا إلّا من باب البشرى المعجَّلة لأولاده؛ فقد كان - رحمه الله تعالى - يحمد الله تعالى على حُسن أخلاقهم وآدابهم وتعاملهم، ويثني على برِّهم به، فهنيئًا لهم بهذه الشهادة ممَّن أوجب الله عليهم أن يبرُّوه، وأقول لهم: والدكم عبدالله ذهب شخصُه لكن بقي وصفه، وذهب بدنُه لكن بقي أثرُه. والظنّ بأولاده - بعون الله تعالى - أن يحذو حذو أبيهم، وأحسبُهم كذلك لِما رأيتُ فيهم وسمعت منهم من حسن الأقوال والأفعال. وختامًا؛ من البشائر المعجَّلة لأبي عجلان: كثرة المصلِّين، والمشيِّعين، والمُعزِّين، والمُثنين، والناس شهداء الله في الأرض، فقد قال لأصحابه: "مَن أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض" . أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وبصفاته العُلى أن يتغمَّد أبا عجلان برحمته، وأن يجعل مستقرَّه الفردوس الأعلى، وأن يُبارك في ذرِّيته وأهله، وأن يجبر مصاب آل بيته وعشيرته. إنه تعالى سميعٌ مجيب، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات. وإنّا على فراقك يا أبا عجلان لمحزونون!