بدأت موجة العمليات الانتحارية التي شهدتها باكستان خلال الفترة الأخيرة تشكل خطراً على نفسيات الباكستانيين ومشاعرهم، ويواجه السيد محمد نديم الذي فقد بعض أقاربه ومعارفه في مختلف العمليات الانتحارية والتفجيرات في باكستان كان آخرها وفاة خاله محمد يوسف في العملية الانتحارية التي وقعت في السابع والعشرين من ديسمبر الماضي في مدينة راولبندي المجاورة للعاصمة إسلام آباد والتي اغتيلت فيها رئيسة وزراء باكستان السابقة بينظير بوتو والعشرات من الأبرياء. محمد يوسف كان أحد الحضور في الاجتماع الحزبي، وعادة ما يشارك الباكستانيون في الاجتماعات الحزبية التي تسبق الانتخابات، لكن محمد يوسف قد اختفى في اليوم الذي اغتيلت فيه بوتو، وبعد بحث طويل ومراجعة الجثث التي خلفها الحادث في المستشفيات لم يتمكن ذويه من التعرف على جثته، إلا أن زوجته وجدت إحدى الجثث دون رأس ولا صدر وعلمت أنه زوجها وتمكنت من التعرف عليه من لون الجوارب والبنطالون والملابس الداخلية فقط، ولم يكن وجهه موجوداً، مما ترك أثراً نفسياً على شخصية محمد نديم الذي بدأ يخاف ويفزع من أدنى صوت يقع بالقرب منه حتى وإن كان الصوت ناجم عن سقوط شيء بسيط ليتحول وضعه إلى وضع شبيه بمريض نفسي. ولم تكن ظاهرة التفجيرات والعمليات الانتحارية في الأماكن العامة معروفة في باكستان حتى نهاية القرن الميلادي الماضي، إلا أنها بدأت تظهر مع بداية القرن الجديد لترتفع معدلات العمليات الانتحارية إلى حد مؤسف جداً في باكستان. وكانت وتيرة العمليات الانتحارية قد اشتدت بعد أن أجرت الحكومة الباكستانية عملية عسكرية للمسجد الأحمر الواقع بوسط العاصمة إسلام آباد، مما أثار بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة في المناطق القبلية للانتقام من الجيوش الباكستانية المرابطة في المناطق الغربية من باكستان، لا وبل تقدمت موجهة العمليات الانتحارية لتعم المناطق الحساسة في مختلف أرجاء البلاد مما أدى إلى مصرع المئات من الأبرياء، ولم تنجوا العاصمة إسلام آباد من هذه الموجة أيضاً. ويضيف عمران محمد خان وهو سائق تاكسي أجرة بين العاصمة إسلام آباد وراولبندي المجاورة لها بأن باكستان إسلام آباد قد تحولت إلى مدينة أشباح يقطنها الرعب والمخاطر، وقد يفزع الشخص من أي صوت كان، وقد حدث قبل أيام أن إطار إحدى الشاحنات انفجر على الطرق السريع الذي يربط مدينة راولبندي بالعاصمة إسلام آباد، مما أدى إلى اصطدام بعض السيارات ببعضها بسبب خوف أصحابها وتوقفهم فجأة دون مراعاة قوانين السير، بينما قفز رجال شرطة المرور ليرقدوا على الأرصفة بشكل محمي خشية من أن يصيبهم حطام ما اعتقدوا أنه انفجار، وبعد لحظات من الهدوء التام على الشارع العام بدأت عملية السيرة تتحرك تدريجياً بعد أن اتضح بأن الصوت كان ناجماً عن انفجار إطار شاحنة وليس انفجار، مما يشير إلى مدى تخوف الباكستانيين وفزعهم من التفجيرات والعمليات الانتحارية. ويرى المحللون الباكستانيون المختصون في الشئون الأمنية بأن باكستان قد وصلت إلى المرتبة الثانية ما بعد العراق في تنفيذ العمليات الانتحارية متجاوزة بذلك أفغانستان. وقد ارتفعت معدلات العمليات الانتحارية إلى حد ملحوظ خلال الأعوام الأخيرة، وبحسب المحللون أن باكستان تحتل المرتبة الثانية من حيث عدد الضحايا مقارنة بأفغانستان التي يزيد فيها حجم عدد العمليات الانتحارية عن باكستان إلا أن عدد ضحايا هذه العمليات يقل عن باكستان بكثير، إذ أن الفرق بين باكستانوأفغانستان هو أن العمليات التي تحدث داخل باكستان عادة ما تحقق أهدافها الإرهابية. والأمر في أفغانستان يختلف وعادة لا تتمكن العناصر الإرهابية من استهداف أهدافها مقارنة بباكستان. وترى دراسة أعدتها الأقسام المختصة في الأممالمتحدة أن أفغانستان شهدت ما لا يقل عن 103عملية انتحارية منذ بداية عام 2008م ولغاية مارس 2008م وأسفرت عن مقتل 225شخصاً كان أغلبهم من المدنيين إلى جانب أعداد من قوات الناتو والجيش الأفغاني، بينما تنوعت أهداف الانتحاريين في باكستان واستهدفت هذه العمليات شخصيات حكومية وسياسية ومدنيين وعدد كبير من أفراد قوات الجيش الباكستاني. ومن بين الهجمات الانتحارية التي وقعت خلال فترة يوليو 2007م إلى مارس 2008م وبلغ عددها 11عملية انتحارية وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 250مدنياً و 101عسكري ورجل أمن، كما تعرضت مراكز الشرطة لسبعة هجمات أسفرت عن مقتل 30شرطياً وكان من بينها استهدف 12هجوماً انتحارياً الجيش نفذت معظمها في المناطق القبلية الباكستانية الواقعة على الشريط الحدودي الفاصل بين باكستانوأفغانستان. وتقول دراسات بأن معدل ضحايا العمليات الانتحارية في باكستان يعادل 9ضحايا من الأفراد مقابل 2في كل عملية تقع في أفغانستان، لذا فإن باكستان تحتل المرتبة الثانية بعد العراق في تنفيذ العمليات الانتحارية من حيث عدد الضحايا وتحقيق الأهداف. على كل حال أثرت موجة العمليات الانتحارية على نفسيات المواطن العادي في باكستان بحيث بدأ الناس يتجنبون الأسواق المزدحمة ومراجعة المكاتب والمباني الضخمة، وخصوصاً مطاعم الوجبات السريعة ذات الماركات الدولية، بينما وصلت الحال في مدنية كراتشي الواقعة في أقصى جنوبباكستان المطلة على سواحل البحر العربي إلى تجنب الناس شراء السيارات الفخمة أو الجديدة وذلك خوفاً من أن تتعرض سياراتهم للتفجير أو أعمال العنف وذلك أخذاً بالسبل الأقل ضرراً.