تلك المناسبة التي تتلهف الأديان إلى مثلها.. ذلك الكنز الذي يجيد بعض الخطباء هدره وعدم استثماره. يدخل الخطيب فترفع المصاحف وتختفي المسابح والمساويك.. يسلم الداخل فلا يرد عليه ويعطس العاطس فلا يشمت يزعجك من بجانبك فلا تستطيع أمره بالانصات فتكتفي بنظرة يفهمها ويكف عن عبثه. صمت جميل وانصات أجمل يحلم به الزعماء والشعراء والمحاضرون.. ويحلم به أول زعيم شيوعي فيقول: أعطوني منابر المسلمين أعطكم الأرض فهل يقدر الخطيب هذه الظروف التي لا تتهيأ لغيره. البعض يجلب النوم بالحديث المطول حتى الصداع عبر عموميات بحيث لا يدري المستمع عما يتحدث.. وكأنه يبحث عن إبرة في كومة من القش وآخر يصم الآذان بسجع الكهان وانتقاء القوافي الصعبة واستعراض قدراته اللغوية، أو اللت والعجن في موضوع واحد يكاد لا يتغير. أتريد ان يزدحم الناس على مسجدك وتمتلئ الشوارع بالسجاجيد والمصلين.. أتريد ان يقصدك الناس من أماكن بعيدة وقريبة وتلهج الألسن بالدعاء لك والثناء عليك عليك بطريقة محمد صلى الله عليه وسلم. إن كنت لا تعرفها فأحسبك تحمل ساعة وتجيد الجمع. أحسب الزمن الذي تستغرقه صلاة الجمعة إذا قرأت في الركعة الأولى سبح والثانية بالغاشية. ثم اجعل زمن خطبتك مساوياً لها أو اقصر منها. هذه هي سنة أفضل من صلى وخطب الجمعة من البشر. فإن كنت تعرف أفضل وأبلغ وأكثر تأثيراً منه فقلده؟ جرب ان تنهي الخطبة والمستمعون يتمنون ألا تنتهي.. جرب ذلك لمدة شهر ستدهشك النتيجة ويسعدك الحضور. قال التابعي شقيق بن سلمة: (خطبنا عمار بن ياسر فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست (أي أطلت)؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ان طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة (أي دليل) من فقه، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وان من البيان سحراً - صحيح مسلم 2- 594) إذا كان الاختصار سنة حتى في خطبة عرفة ذلك اليوم الذي لا يمر إلاّ مرة في العام. فكيف بخطبة الجمعة. قال سالم بن عبدالله بن عمر للحجاج بن يوسف في يوم عرفة وأبوه يسمع: (إن كنت تريد ان تصيب السنة اليوم، فاقصر الخطبة وعجل الوقوف. فقال ابن عمر: صدق) البخاري 2- 599لاسيما ومعظم الحجاج وبعض المصلين لا يعرفون العربية.