لم اتمكن من قراءة رواية (فتنة) للكاتبة أميرة القحطاني إلا مؤخراً، وكنت قبل ذلك قد تابعت بعض ما كتب وما نشر في الصحافة والانترنت عنها، كما قرأت حواراً اجري مع الكاتبة او حوارين عن هذا العمل. وكما هي العادة عندما يصدر عمل يجذب اهتمام القراء، يكون السؤال الذي يقلقهم ويشكل احياناً مصدر تشكيك عند معظمهم هو: كيف يمكن لهذا العمل ان يكون بهذا النجاح مع ان العمل الاول للكاتب؟ حدث هذا مع (فتنة) وحدث مع (بنات الرياض) ومع (الآخرين) و(سقف الكفاية) وغيرها وسيستمر بحدة مع كل عمل ناجح يفاجأ الناس بأن كاتبه يخوض به تجربته الاولى مع ان تجربتنا المحلية يتدون ان نخرج للساحة العربية - تعلمنا ان كثيراً من ادبائنا ولدت تجربتهم الاولى مكتملة فنياً ومحققة لشروط الريادة في منحى من المناحي شعراً ورواية. نذكر على سبيل المثال حامد دمنهوري (ثمن التضحية) حمزة بوقري (سقيفة الصفا)، عبدالله الصيخان (هواجس في طقس الوطن)، سعد الحميدين (رسوم على الحائط)، تركي الحمد ثلاثية (أطياف الأزقة المهجورة)، غازي القصيبي (شقة الحرية) كما ا ن ليس من المحتم ان يكون العمل التالي للكاتب متجاوزاً للمستوى الذي وصل اليه عمله الاول. فرواية حامد دمنهوري الثانية (ومرت الايام) فنياً اقل مستوى من روايته الاولى، كما يحدث ان يتوقف بعض الكتاب بعد العمل الاول نهائياً عن الكتابة ولعل هناك اكثر من سبب والى ظروف مختلفة من كاتب إلى آخر. في هذه الرواية (فتنة) مثلها مثل روايات اخرى ظهرت عندنا، وخاصة عندما تكون لكاتبة يسرع الناس الى استنتاجات خاطئة وهو ان الرواية عبارة عن وثيقة تمثل كاتبتها، وهذا خطأ يصدر عن فهم ضيق وقاصر لطبيعة الفن ودور الصنعة والخيال في تشكل العمل الادبي لايمكن اختزال المؤلف حياة المؤلف التي هي اكثر تنوعاً وثراءً وامتداداً قبل العمل الروائي وبعده، في حياة شخصية من شخصيات رواية محددة بأحداث الرواية وليس لها حياة خارج النص الروائي. ان (فتنة) التي تخيل البعض انها تمثل الكاتبة هي شخصية محكومة بسياقات النص، وحتى لو كان (الفتنة) شبه في الواقع فإنها بمجرد دخولها في النص الروائي قد اخضعت لعملية اعادة انتاج وشحنت بجمولة جديدة تناسب مجريات الاحداث والخط الذي رسمته لها المؤلفة بحيث اصبحت شخصية لا يمكن لها ان تعيش بهذه الصفات ولا تتصرف بهذه الافعال الا داخل العمل ا لروائي. عبدالعالي ابوطالب: مستويات دراسة النص الروائي. ان العلاقة التي تربط (فتنة) بالكاتبة والتي اشارت اليها على غلاف الرواية والاسم العائلي المشترك هو الذي زاد من فعل التوهم هذا وعززه عند بعض القراء، وأظن ان قراءة كهذه هي قراءة خطرة ويجب ان نتنبه اليها ونحاربها جميعاً لأن نتائجها سوف تئد كل مناخ ابداعي محتمل. من ناحية اخرى وجدت ان تلك السطور التي جاءت على الغلاف الخارجي للرواية وظفت بطريقة ذكية لاغراء القارئ في عبارات مختارة بعناية واسلوب جذاب، وكلمات تثير الاهتمام والفضول مما يدفع ليعرف المزيد عن شخصية (فتنة) ومأساتها، وجرأتها وثقافتها، وخفة ظلها، وسخريتها، وما احاط بحياتها من احداث دفعتها لكتابة الرواية، كل ذلك في شكل موجز يلخص ابرز خطوط الرواية، ويهيئ القارئ لتتبع سير احداثها. وبالنسبة لي كقارئ - وكما قال الصديق عبده خال - اكتب في المنطقة التي يسميها (البيضاء) اقول انني احسست بمتعة فائقة وانا اقرأ هذه الرواية، شدني اسلوب الحوار الذي جاء على لسان (فتنة) خاصة، واتمنى على الكاتبة الا تعيد صياغة الحوار بالفصحى مثلما قيل لي، فحياة (فتنة) وطبيعة شخصيتها كانت مناسبة جداً للهجة التي تتحدث بها ويتحدث بها بقية الشخصيات. وجدت ان الحوار والاسلوب الذي جاء فيه في هذا العمل من ابرز واجمل ما في الرواية، بما يحتوي عليه من جاذبية، وما يوحي به من صدق، وما يشتمل عليه من سخرية لاذعة، وما يفصح عنه من خفة دم (فتنة) رغم مأساتها، وكانت الكاتبة بارعة جداً في توظيفها لمفردات اللهجة لطريقة متقنة وماهرة لنتعرف على هذه الشخصية الطريفة والعميقة في الوقت نفسه مما لا يمكن معرفته بمجرد الوصف وحده. وقد توقفت عند عنصر الحوار، الركن الاساسي في هذا العمل ولكن هناك عناصر اخرى قد احكم بها ليظهر لنا العمل بهذه الدرجة العالية من النجاح. واذا كانت (فتنة) تعيش حالة تمزق وقلق نفسي، وظلت تبحث عن اجوبة لمعاناتها فإنها خلال بحثها، اخذت تصوغ افكارها وآراءها في عبارات تناثرت على صفحات الرواية، تحمل من الدعابة والنقد الساخر ما تحمل مثله من مواقف التمرد والثورة والكره لواقعها وتاريخها وكل ما حولها.