احتفل الشعب التونسي أمس بالذكرى الثانية والخمسين للاستقلال. وهي الذكرى التي يحييها التونسيون بنخوة واعتزاز كبيرين لما تجسمه من تتويج لمسيرة نضال وتضحيات جسام من أجل الانعتاق من رقبة الاستعمار الغاشم الذي جثا على البلاد لمدة 75سنة ( 1881- 1956) ناهبا لخيراتها ومستغلا لعبادها في أبشع صور الظلم والجور والاستعباد. ذكرى 20مارس التي تتزامن دوما مع اعتدال الفصل الربيعي يحييه أبناء "الخضراء" بكثير من البهجة والاستبشار خلصهم من الاحتلال وأشر للانطلاق في بناء الدولة العصرية بقيادة الراحل الحبيب بورقيبة وصفوة من الوطنيين بإمكانيات محدودة وموارد لا تكاد تذكر ولكن بكثير من الحكمة والتبصر فتم التركيز على ثلاثية البناء المبهر (التعليم - الصحة - الاسكان) لتلافي الجهل والعلة وضمان توفير مقومات الكرامة والانخراط في مسيرة تنموية عصرية تقطع مع الموروث الاستعماري البغيض. ولئن شهدت المسيرة في الثمانينات بعض الانحراف لشيخوخة الحبيب بورقيبة الذي أنهكه المرض فأفقده السيطرة على مجريات الاحداث المتسارعة ما ادى الى انحدار اقتصادي واجتماعي وسياسي بدأ يسير بالبلاد الى منحدر سحيق مجهول العواقب.. وفي ظل الحيرة وتشعب الأوضاع كان لابد من التصحيح فكانت "الرجة" على يد زين العابدين بن علي في فجر السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1987بواسطة "بيان" دقيق في كلام عميق في معانيه أكرم فيه بطل الاستقلال وأزال به الخوف والحيرة من مواطنيه بروح الوطني المسؤول ليعيد الأمل الذي كاد يفقد.. فعادت دواليب المؤسسات للدوران بعد تسارع الاصلاحات وتفكك القيود بإصلاح وتنقيح القوانين والانفتاح المحكم على الشرق والغرب والانخراط في مسيرة اجتماعية واقتصادية باتت اليوم محل اعجاب المنظمات والمؤسسات الاقليمية والدولية برغم ما يشهده العالم من صعوبات ورهانات وتحديات على أكثر من صعيد جراء التغيرات الحاصلة في العلاقات الدولية وتقلبات الاسواق العالمية. ولكن شدة تمسك التونسيين بالمحافظة على استقلالهم وحكمة قيادتهم في التخطيط لمواجهة الأنواء تجعلهم أكثر تفاؤلاً بالمستقبل وأكثر إطمئناناً على غدهم. وأعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي جملة من القرارات لتعزيز المسار الديموقراطي والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتوسيع مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية وفي مواقع القرار. وشدد بن علي في خطاب ألقاه بمناسبة احتفال تونس بالذكرى الثانية والخمسين للاستقلال أنه جعل من الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان في ظل دولة القانون والمؤسسات أسسا جوهرية لمشروع تغيير 7نوفمبر 1987ومبادئ محورية للحكم الرشيد بما يزيد دعم استقلال تونس ويعزز مكاسبها ويدفع بتنميتها ملاحظا ان الديمقراطية تفقد معناها في غياب تنمية مستديمة ومتضامنة كما أن التنمية تفقد جدواها وعدالتها في غياب مناخ ديمقراطي سليم. وقرر بن علي تقديم مشروع لتنقيح الدستور يدرج ضمنه امكانية ان يترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2009المسؤول الأول عن كل حزب سياسي شريطة ان يكون منتخبا لتلك المسؤولية وأن يكون يوم تقديم ترشحه مباشرا لها منذ مدة لا تقل عن سنتين متتاليتين مبرزا أن هذا المشروع يهدف الى توسيع تعدد الترشحات لرئاسة الجمهورية. كما يشمل مشروع التعديل الدستوري هذا، التخفيض في العمر اللازم لاكتساب حق الانتخاب الى 18سنة بما من شأنه توسيع المشاركة السياسية الى ما يزيد عن نصف مليون شاب اضافي سوف يتاح لهم حق الانتخاب سنة 2009.وقرر بن علي عقد المؤتمر الخامس للتجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) من 30يوليو الى 2اغسطس القادمين تحت شعار التحدي "مشددا على أن الاحزاب هي قبل كل شيء مدرسة للوطنية والمواطنة والتربية على الحوار والمشاركة وان الحزب القوي يظل في حاجة الى معارضة قوية لأن في التعددية اثراء للحياة السياسية. وجدد التأكيد على ان التعددية الحزبية هي من مقومات المنظومة السياسية التونسية وهي شرط للتنافسية الحقيقية داعيا الاحزاب السياسية الى التعويل في المقام الاول على قدراتها وعلى التصاقها بمشاغل المواطنين. كما أكد الرئيس بن علي انه سيواصل جهوده لمزيد من النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها نصا وممارسة وفقا للمقاربة التي أرسى دعائمها والقائمة على شمولية تلك الحقوق وترابطها وتكاملها. وتعزيزا لمكانة المرأة التونسية في الحياة العامة دعا بن علي الى أن تكون المرأة ممثلة بنسبة لا تقل عن 30بالمائة في مجلس النواب والمجالس البلدية في القائمات الانتخابية للتجمع الدستوري الديمقراطي. كما أعلن عن انطلاق حوار شامل مع الشباب تحت شعار تونس اولا وشدد على ضرورة ان يكون هذا الحوار بدون مواضيع محرمة او رقابة على الرأي والتعبير وذلك لصياغة ميثاق وطني للشباب حول الثوابت والخيارات الكبرى يبرز هوية تونس الحضارية والوطنية ويولي مبادئ التفتح والاعتدال والتسامح والحداثة المكانة الجديرة بها. وأبرز بن علي انه جعل من التشغيل هدفا وأولوية مشتركة لكل السياسات مؤكداً ان تونس توفقت الى احداث اكثر من مليون و 200ألف موطن شغل خلال العشريتين الأخيرتين بما مكن من تراجع نسبة البطالة بنقطتين داعيا الى توسيع مجال الاستشارة الوطنية حول التشغيل حتى تشارك فيها كل الاطراف المعنية.