صدر حديثاً كتاب (سلوك الحيوان في الشعر الجاهلي) للدكتور سعد بن عبدالرحمن العريفي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، والكتاب جديد في مضمونه طريف في موضوعه، حيث سعى مؤلفه إلى إبراز الرصيد المعرفي لدى العرب الأوائل حول سلوك الحيوان عبر عمله على استلال النصوص الشعرية المتعلقة به من مجموع المدونة الشعرية الجاهلية، ثم قام بتصنيفها في حقول يبرز كل حقل ضرباً من السلوك كما شاهده الشاعر الجاهلي فسجله مستعيناً على ذلك بصفاء عدسته الشعرية ودقة تصويره. وقد كان لدوام مخالطة الشاعر الجاهلي للحيوان وطول مساكنته إياه في بيئة واحدة أثر في تعميق معرفته بطباع الحيوان وسائر سلوكياته، فكان الشعر الجاهلي المرآة العاكسة لهذه المعرفة، وكان هذا الكتاب المجلي لتلك المعرفة بعد عملية غربلة وتصنيف طويلة، ظهر الكتاب بعدها جامعاً لشتى الضروب الحيوانية الواردة في الشعر الجاهلي، وحاوياً لكافة الأشكال السلوكية الصادرة عن الحيوان واستجاباته للمؤثرات من حوله، سواء أكان فرداً أو في منظومة اجتماعية. وقد جعل المؤلف كتابه في خمسة فصول: الأول يعرض صور النظام الاجتماعي عند الحيوان متحدثاً عن الأسرة الحيوانية والعلاقة الحميمة، والثاني يتكلم عن سلوك السيطرة لدى الحيوان عارضاً عدداً كبيراً من السلوكيات العجيبة التي سجلها الشعراء الجاهليون، وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن أشكال الصراع التي يمارسها الحيوان، ويتناول الفصل الرابع سلوكيات الحيوان الهادفة لصيانة بقائه كما جاءت في الشعر الجاهلي، أما الفصل الخامس فيعرض لنظام التواصل لدى الحيوان المتشكل في لغته الخاصة. ويقع تحت كل ما ذُكر هنا عدد كبير من النصوص الشعرية الجاهلية التي تبرز أنواعاً سلوكية عديدة للحيوان يظهر بعضها في غاية التعقيد والاعتماد على الوعي كالتفكير والتذكر والفطنة والفهم والتحليل والتوقع والغيرة والشك والاستلال والحيرة والشعور بالمسؤولية. والأمر الذي يجلي أهمية الكتاب ويميزه عن الدراسات الأدبية الأخرى هو جمع مؤلفه بين الشعر الجاهلي وعلم الحيوان الحديث، حيث استعان بالبحوث العلمية الحديثة في مجال علم سلوك الحيوان لإضاءة النصوص الشعرية وإبراز دقة أوصاف الشعراء، فظهر تطابق كبير بين النص الشعري الجاهلي والحقيقة العلمية الحديثة، الأمر الذي كشف المعنى الصحيح لكثير من النصوص ونبَّه على أخطاء بعض الدارسين والشُّرَّاح.