يظل الزمن مستهدفاً من الشعراء يعلقون عليه ما يقاسون من تحولاته وتقلباته، ولم يستسلموا لقول الشاعر: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا والمسألة تعود إلى تجدد القيم وتبدلها، قيم اجتماعية كانت أو اقتصادية أو غيرها، فرفض القيم المتجددة أو تقبلها هو العامل المؤثر في ردود الفعل من جراء ذلك، وحدوث الصراع بين الجديد والقديم قضية عانت منها الأمم في كل زمان ومكان. وما أجمل أن يشكو أبناء الجيل الواحد المواجه للتغير معاناتهم من ذلك في أبيات تعبر عن آلامهم ومعاناتهم في زمن يبسط نفوذه على معالم حقبة زمنية توشك على الانتهاء، بعد أن شهدت معهم قسوة وعذوبة حياتهم خلال تلك الحقبة، وبين أيدينا نصان لشاعرين يشكوان أحداث الزمان. الأول الشيخ مصلح بن وكيّل الأنصاري الذي يقول: يا أبو سعد شفت وانكرت المعاني ما اعجبتني الدهر هذا عنيد ومستمرا في عناده أنكرت الايام يوم ان المعاني جانبتني لكن ما يخرج المخلوق عن حكم الاراده واعضتني النفس ليت النفس فيها ساعدتني وتقنعت عن تطلعها على شأف السعادة ومن شأن هذا التطلع كل يوم معذبتني من بعد صيد الغزالة ما تبي صيد الجرادة أقول يانفس لا تشقين وِهءيِهء معصيتني وتقول ما يصلح الفنجال في جمر العرادة وتقول هاين عليك اني تحت مأمور فني كله على شأن تَبءيَ النوم مع لين الوسادة المرجلة ما تجي بالهون والا بالتمني واللي يحسب الدية ما يذبح الرجال عادة والصاحب الزين تحناه الوجوب وحانيتني في حق الأصحاب ما يرضا صدود ولا هوادة وأجابه صديقه الشاعر محمد سعيد بن قابل الأحمدي بقوله: سلام من قلب صافي يوم نفسي طاوعتني من بعد ما عاندتني في السنين ام اللهادة من بعد ما شافت إن الوقت حاكم وافقتني شافت من الطوع مدعوم الرشادة والعبادة وقالت اللي يقدرني معاريفي نصتني واقوم له بالثنا عسى اتوفق في سداده والثاني اغض عنه الطرف واجعل لو نعتني أقول ما قاله الشاعر يرى هذه شهادة وكل هذا بعد ما عاندتني واجهدتني وشديت فيها الرسن والعقل ثاني في سناده لكنها النفس مثل الطفل لوما العقل يثني تحكم عليها بشدة لا ترده في مهاده والمرجلة لو تجي بالجهد جاتك ثم جتني لكنها بالحظوظ تنال ما هي بالجهاده وان طعتني كب ما عناك وانا ما اسلمتني عشاقتك ياعريب الجد كافيها إجادة والشاعر الأنصاري من أهل البرزة منطقة قريبة من مكةالمكرمة، وقد تقلب في عدة وظائف في إمارة مكة، والشاعر الأحمدي من وادي الصفراء وعمل في عدة وظائف آخرها في إمارة مكة أيضاً، وإلى جانب الزمالة في العمل يجمع الجوار الشاعرين في مكةالمكرمة، ويتسم شعرهما بالوضوح والنزعة إلى التمسك بالقيم الاجتماعية القديمة بما فيها من إيمان وطموح وحب المكارم والأخلاق التي منها ما ينطبق عليه قول الشاعر: (والسيل حرب للمكان العالي)، ولقد نشأ الشاعران في ظلال حياة تقليدية يكرم فيها الكبير ويعطف فيها على الصغير، ثم إذا بهما يعيشان حياة الخضوع للأنظمة والإدارة التي تفسح المجال لمن نال حظاً وافراً من التعليم، وهم أصحاب الحظوظ في السلم الاجتماعي بما تعطيه جهودهم من مردود مالي يستجيب لمتطلبات حياته. يعاني الأنصاري من صراع مع نفسه التي تدفعه إلى الطموح وإلى المرجلة، ذلك المفهوم الاجتماعي والمعيار الرجولي الذي يتباهى به الرجال والذي يفرض على طالبه بذل كثير من الجهود ليحقق معنى الرجولة التي عرفها حمزة شحاتة بأنها الخلق الفاضل. والأنصاري يستحث أصدقاءه للوقوف معه وإلى جانبه كما هي عادته في الخضوع لهذا المطلب مع أصدقائه. أما الشاعر الآخر "أبو سعد" فهو ينصح صديقه بالاستجابة إلى متطلبات العصر، مع التمسك بخلق الرجولة مع من يتمثلها ويصرف النظر عما خلافه متمثلاً بقول الشاعر: واذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل وهو يتفق مع صديقه في السلوك نفسه نحو التمسك بمعاني الرجولة، ولكنه يلتزم سياسة تحكيم العقل في أمور الحياة، ويعترف بأن مسلكه وصديقه في سبيل "المرجلة" بعدم التواني عن كسبها، وهي عنده هنا المكانة القيادية والمال الذي يدرك به كسب المعروف وبذل العون والدعم لمن يستحقه، ثم يغري صديقه بأن الحظ هو سيد الموقف في هذا الزمن الذي تلعب فيه الشللية والوساطة دوراً هاماً في تقديم المتأخر وتأخير الذي يستحق المقدمة، وأن صديقه على حظ وافر من الرجولة والمكانة الاجتماعية فليرض بما كتب وهو خير كثير. وفي الواقع فإن الرجلين رحمهما الله يحظيان بمكانة رفيعة، وسمعة عالية، لما كانا عليه من تمثل معاني الرجولة الحقة.