أصبحت الحياة لاهثة، ومعقدة، ومرهقة، تأخذ منا كل الأحلام، وكل لحظات الدهشة والفرح، وتصهرنا في جحيم من العذابات اليومية بدءاً من لقمة العيش، والتوازن الحياتي وحتى هموم الإنسان، والمستقبل لأبنائنا، وأجيالنا. وتحاصرنا في كل تفاصيل يومنا بمحاذير، وتوجّسات، وعيوب، وممنوعات، وأوامر، ونواه، بحيث أصبحنا في حالة عدم توازن مع أنفسنا، ومع المحيط الاجتماعي، والحياتي، وصار الإنسان يتحسس كل تصرفاته، وسلوكه، لا لأنه غير محصّن بوعي ثقافي جيد، وأنه ارتوى بفهم وعقلانية من ثراء ينابيع الموروث الواعي المعقلن الذي لا يصادر العقل، ويلغي الفهم والإدراك والمعقول. ويجعل الثوابت مضيئة دونما حاجة إلى إضفاء نوع من الحواشي، وإلباسها مظهر المعجزات، أو الخوارق ؛ ولكن لأن البعض يريد أن يفرض مفاهيمه الخاصة ، وفكره المحدود. صارت الحياة معقدة، وصعبة لأن الفهم ليس التوازن، وإنما الركض يميناً أو يساراً ولا وسط، ولأن الوعي ليس "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً" وإنما "تموت غداً" فقط. وليس "لا إفراط ولا تفريط" ولكن "تفريط" فقط وليس "كلوا واشربوا ولا تسرفوا" ولكن "كلوا واشربوا" فقط. وهكذا نحن في كل مناحي حياتنا، زرع الرعب، والخوف، أما الفرح فلا مجال له، ولا مكان في قلوبنا لاحتضانه. أترك الكتابة هذا اليوم في الشأن الاجتماعي، وفي الهموم، والقضايا التي يعيشها الإنسان وتثقله، وأترك الكتابة في الشأن السياسي لهذه الأمة المنكوبة، وأعود إلى حالات الفرح الذي كنا نمارسه، ونعرفه، ونعيه، وندركه. ونحرص عليه كجزء من مكوّنات مسيرة الحياة. أعود إلى الشعر النبطي الذي كان رفيقنا، وأنيسنا، ومقطّب جراحنا، وبلسم عذاباتنا في ذلك الزمن الجميل. وأرفع السامري موال حزن على ماض لن يعود، وفرح لم نعد نمتلكه. "يابن سالم ترى قلبي عليكم حزين والسبب صاحبي زعل، ولا ارضيتناه "صاحبي ينقش الحنا، بكف حَسِين مثل نقش المطوّع بالقلم والدواه "بونهيد صغير ما لهجه الجنين مثل بيض القميري لاجي في حشاه "صاحبي غصن موز والهوى به يلين ليت منهو بعالي الغصن يقطف جناه "صاحبي يحسب اني عنه أدوّر حنين حالف ما نوى قلبي، ولا اطريتناه "يا هل الغي حياكم نجر الونين ونتشاكى جميع لاسقى الله الحياه "طير ياللي ترفرف فوق دار الخدِين خبّر أمي ترى المجمول حصلتناه" آه على سهل على غدير في شعب من شعاب نجد، وصوت السامري يسري في كل فضاءات الصحراء.