وطنٌ لا تراث له لن يكون له حاضر ولا مستقبل، والأرض التي لا تربطها علاق بالتاريخ لن يكون لها هوية.. هكذا هي المعادلة باختصار فمن لا ماض له فطبيعي ألا يكون له حاضر ولا مستقبل. وبلادي توأم المجد رَعتء من ثدي التاريخ حتى امتدت قامتها ولامست عنان السماء، ولبلادي هوية حددها ورسم ملامحها أسلافنا رحمهم الله، الذين بنوا أمجادها، وأقاموا أركانها، وثبتوا دعائمها، وبدت كالشمس بين البلدان بوجه وضاح، مشرق جميل، ناصع البياض، يكاد ضوءه أن ينير العالم لشدة وهيجه وكثافته. (بلادي هي المملكة العربية السعودية) أرض تضرب جذورها في أعماق الأصالة والتاريخ الإنساني، كتبت سيرة ولادتها بحبر من ذهب ونقشت اسمها في ذاكرة الزمن. ووقفت بشموخ وعزة تتشح ببياض القيم الكريمة.. وتسجد لله حامدة، شاكرة، مسبحة له. وبلادي تحتفل بتظاهرتها الثالثة والعشرين الثقافية الشاملة، التي انطلقت للوهلة الأولى عام 1405ه وبالتحديد في الثاني من شهر رجب حاملة اسم (المهرجان الوطني الأول للتراث والثقافة) والذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بعد أن بارك الفكرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -، هذه التظاهرة الشعبية، الثقافية، الجماهيرية، الواسعة التي كانت في البداية لا تتجاوز سباق الهجن السنوي حتى أصبحت ولله الحمد ثم بدعم ولاة الأمر مهرجاناً وطنياً للتراث والثقافة، ومناسبة تاريخية ومؤشراً عميق الدلالة على حرص ولاة الأمر على الاهتمام بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية الأصلية. كما أنه يعتبر مناسبة وطنية تجمع بين الماضي العريق بأصالته وعمقه والحاضر الزاهر بمعطياته العصرية، والحضارية. ولو بحثنا في أهم الأهداف التي من اجلها تم اعتماد هذا النشاط السنوي، الوطني، التراثي، الثقافي، لوجدنا أن الهدف هو التأكيد على هويتنا الإسلامية العربية الأصيلة ونقل صورة عن أرضنا وأسلافنا وقيمنا للأجيال القادمة. لتبقى الصورة راسخة في أذهان أبناء الوطن، الصورة المشرقة، المشرفة، التي حافظت بلادنا ممثلة في قيادتنا الحكيمة في الإبقاء عليها وعلى ثوابتها الراسخة وعبق ماضيها الأصيل. ويجسد هذا المهرجان الوطني الكبير التراث السعودي والثقافة السعودية والحفاظ على معالم بيئتنا السعودية وذلك من خلال إنشاء (قرية تراثية) تساهم في كل أجزاء هذا الوطن المترامي الأطراف بالحضور لتأكيد (الهوية، وإثبات الأصالة). وقد تجاوزت هذه التظاهرة الرائعة الحدود الإٍقليمية، وذهبت إلى ما هو أبعد وذلك من خلال النشاطات، والفعاليات، المقامة منذ انطلاقة الأمسيات الشعرية، والمشاركات الأدبية، والمعروضات الشخصية، كالمقتنيات والابتكارات في مختلف المجالات وبمساهمة من جميع (الدوائر الحكومية) و(الأفراد). كما أنه يعتبر من أهم الملتقيات الفكرية والأدبية وذلك على المستوى العالمي، حيث يتم استقطاب رموز الأدب والفكر والثقافة على مستوى العالم للحضور والمساهمة، والاطلاع على أدق التفاصيل الثقافية والإبداعية والإنسانية في المملكة من خلال المحاضرات والندوات والأمسيات العلمية. هذا العام هو المهرجان الثالث والعشرين وهو بلا شك سيكون الأفضل لأننا نلاحظ التطور والتقدم في العرض والأداء من عام لآخر - بلادي هي المملكة العربية السعودية التي تستند على مخزون تراثي أصيل، وعظيم، وتاريخ إنساني مليء بصور الصمود والإصرار والتحدي - ليس لي إلا أن افتخر ببلادي وأبناء بلادي وأبارك للجميع هذا الحرص على تأكيد "الهوية وإثبات الأصالة".