توشك احياء شمال الرياض ان تحتفل بانتهاء أعمال حفر وبناء نفق طريق الإمام سعود بن محمد الذي يتقاطع مع طريق أبي بكر الصديق. كان هذا الطريق نقطة توقف في الطريق السريع بين جامعة الملك سعود والطريق الدائري الشرقي. جاء هذا الاحتفال بعد حوالي ثلاث سنوات عجاف من الحفر والتنقيب والتوقف ومن ثم البناء. هذا هو الظاهر على السطح، اما الذي لا يعرفه العامة امثالي من اسباب تعرقل المشروع فكل يدلي بدلوه مما يسمع من هنا وهنا. لا أحتاج ان اذكر هنا كم من التسخط والحنق - والدعاء على من كان السبب - الذي ينتاب كل من اضطر ان يرسم بمسار سيارته على تحويلات الشارع شكل وردة او غيرها من الأشكال الهندسية عندما يحتاج ان يتجه الى المسار الأيسر من الطريق. لاشك ان فكرة جعل طريق الإمام سعود بن محمد طريقاً سريعاً لهي فكرة رائدة بحق، ولكن طريقة تنفيذ تلك الفكرة هي التي اضع تحتها الكثير من الخطوط. وهنا اود ان اشير الى قضيتين مهمتين سأتعرض لكل منهما بالتفصيل تباعاً. الأولى هي اهمية رأي عامة الناس في المشاريع التنموية في البلد، وأقصد برأي العامة ان يبدي عامة الناس - وخاصة من تمسهم المشاريع التنموية مباشرة - رأيهم في الخطط والمشاريع التنموية وعدم حصر ذلك فقط في ذوي القبعات البلاستيكية الصفراء، او في اصحاب الياقات البيضاء على طاولات العمل في قاعات الاجتماعات. وحينما انوه على اهمية رأي عامة الناس في الخطط التنموية والمشاريع الحيوية في البلد، لا انكر دور اصحاب الاختصاص من مهندسين وخبراء. بل انهم هم الذين يجب ان يصدر عنهم القرار بعد قراءة كافة المعطيات قراءة متأنية واستيعاب جميع الأدوات اللازمة للخروج بالقرار النهائي في مشروع ما. ومن تلك الأدوات الاستئناس برأي برأي عامة الناس فيما يزمع هؤلاء الخبراء تقديمه لهم. اذكر انه وصلني في صندوق البريد، عندما كنت في مدينة برزبن الاسترالية في السنة الماضية، مخططات ورسومات هندسية لمشروع تنفيذ طريق يربط بين منطقتين قرب الحي الذي كنت اسكن فيه آنذاك. وكان مع تلك المخططات رسالة تقول: "عزيزي ساكن الحي، لقد اقرت ميزانية لتنفيذ مشروع يربط بين منطقة.. ومنطقة.. قرب حيكم. ولقد اجرينا الدراسات اللازمة لتنفيذ المشروع، ولكن لأننا نؤمن انكم في هذا الحي المستفيدون بالدرجة الأولى من المشروع، ولأنكم تستخدمون الشوارع المحيطة بالمشروع بشكل متكرر، لذا فإننا نعتقد ان لديكم من الأفكار ما قد يفيدنا قبل اتخاذ القرار النهائي للتنفيذ. نأمل منكم ان ترسلوا لنا اقتراحاتكم ومرئياتكم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ وصول المخططات الى بريدكم عبر الظرف البريدي المرفق والمدفوعة قيمته سلفا من قبلنا. وتقبلوا فائق تحياتنا" بلدية برزبن. ولو خير مرتادو تقاطع طريق أبي بكر الصديق مع الإمام سعود بن محمد ان يبقوا في متاهة طرق وتحويلات لمدة ثلاثة أعوام او ان يُعمل جسر خرساني جاهز خلال ثلاثة اشهر لاختاروا الثانية بلا تردد. ربما مر بمنفذ مشروع نفق أبي بكر الصديق صعوبات ادارية ولوجستية كبيرة - طبعاً لم نعلم عبر شفافية منفذ المشروع ولكن عن طريق الإشاعات التي تبث هنا وهناك. ولكنَّ المستفيدين من المشروع لا تعنيهم الصعوبات التي مرت بمنفذ المشروع بقدر ما يعنيهم ان ينتهي المشروع في وقت قصير وبطريقة احترافية. القضية الثانية في هذا الموضوع هي انني اعلم كما يعلم الكثير غيري ان الدولة ايدها الله وأدام عزها لا تتردد في تمويل وتخصيص اضخم الميزانيات لإنفاقها على المشاريع التنموية. بل انها حريصة كذلك ان تتم تلك المشاريع في اسرع وقت. ولا ادل على ذلك من توجيه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - خلال ترؤس سموه مجلس منطقة الرياض في دورته الأولى لهذا العام - بسرعة ترسية وتنفيذ المشاريع التنموية بمنطقة الرياض. ولكن الجميع ايضاً يعلم في الوقت ذاته ان المشاريع التي تنفذها الشركات غير الحكومية تكلف اقل بكثير من المشاريع الحكومية ويتم تنفيذها اسرع من مثيلاتها من المشاريع الحكومية. رأينا كيف تم تنفيذ فندق الهيلتون وفندق الإنتركوتننتال في مكة وبرجي المملكة الفيصلية في الرياض، وكيف كان العمل مستمراً (24/7) سبعة أيام في الأسبوع على مدى 24ساعة في اليوم. عندما تقرر الشركات الخاصة ان تجعل العمل مستمراً على مدار الساعة تدرك ان التكلفة ستكون ثلاثة اضعاف ولكن النتيجة هي انتهاء المشروع في ثلث المدة كذلك. فمعادلة الوقت عند هؤلاء تساوي المال. لذلك سيتسنى لهم زيادة استثمار المشروع في المدة التي استطاعوا ان يوفروها. عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الحكومية فلابد ان تكون المعادلة بذات الأهمية بل وأكثر من ذلك، اذ ان الوقت يساوي الحياة. فتعطيل المشاريع الحكومية قد يحرم اجيالاً من الاستفادة من العديد من المشاريع الحيوية في البلد في وقت هم اشد ما يحتاجون اليها. بل وان تعطل تلك المشاريع يؤدي الى تأجيل مشاريع مهمة اخرى لا تستطيع الدولة ان تنفذها في نفس الوقت كما هو الحال في نفق طريق أبي بكر وانتظار مشروع طريق الملك عبدالله لحين الانتهاء من المشروع الأول. لا يشك اي منصف في حرص خادم الحرمين الشريفين والأمير سلمان - حفظهما الله - على ان تظهر الرياض بأبهى حلة وهي كذلك ولكننا ايضاً نطمح للمزيد. ان تنفيذ المشاريع التنموية بالبطء الذي اعتدناه من متعهدي تنفيذ تلك المشاريع لهو محبط بحق لكل من يدرك بذل وحرص الدولة على تنفيذ تلك المشاريع ثم ينتهي تنفيذها الى من لا يتقي الله ولا يرى في ذلك المشروع الا كعكة كبيرة مضمونة خلصت الى رصيده ثم يرمي عبء التنفيذ على غيره من صغار الشركات او ان تنفذ بأقل معايير الجودة الممكنة بحجة انه مشروع للدولة، وكأن اموال الدولة هبة دون مقابل. انتظر كما ينتظر الكثير من المواطنين تنفيذ نفق طريق الملك عبدالله وطريق العروبة بفارغ الصبر وربما بقلق أيضاً، وكلنا أمل ان لا ترسى تلك المشاريع الا بأعلى المواصفات وأقصى الشروط الجزائية الضامنة لسرعة التنفيذ. وربما تضطر الدولة بعد ذلك الى ترسية المشاريع الحيوية على شركات عالمية لا تنظر الى مع من تتعامل بقدر ما تنظر الى اهليتها وقدرتها الفنية والمالية على تنفيذ المشروع وفق ضوابط وشروط صاحب المشروع وفق خطة زمنية لا تتضاعف مع مرور الزمن او عند اول عقبة تواجهها اثناء التنفيذ. @ باحث وأكاديمي - جامعة الملك سعود