ويستمر الطبيب (جونز هوبكنز) في وصفه لرحلته إلى سلطنة عمان في واحدة من أصعب المهام للقضاء على مرض الكوليرا الذي انتشر في أقاليم السلطنة وأصبح يهدد بإفناء سكان عمان الأمر الذي دعى الحاكم ان يصدر تهديدا بعقوبة الشنق أو الرمي بالرصاص لكل من يخالف التعليمات الصحية القاضية باجتثاث المرض حتى تحقق النجاح المقصود وقضي تماما على هذا الوباء والتي قال عنها: في رحلة من هذه الرحلات قمنا بزيارة لمدينة كانت تتصارع مع وباء الكوليرا اللعين.. وفي الوقت الذي بدأنا فيه هذه الجولة كان الوباء منتشرا ومخيفاً، وكان أنين المحتضرين ومعاناة المرضى بالمغص القاسي تصل إلى أسماعنا بصورة مستمرة - ولكن الإجراءات الخاصة بالحجر الصحي والمتبعة الآن أدت إلى إزالة الكوليرا من عمان ونعود إلى رحلتنا، وقتها طلب مني الشيخ الحاكم إبداء المشورة قائلاً: كيف يمكن معالجة هذا الوباء..؟؟؟ - فأخبرته أنني اعرف كيفية إيقافه، ولكني قلت له: ان ذلك لن يجدي، لأن تعليماتي ستذهب أدراج الرياح، وقد أثاره ذلك إلى الحد الذي دفعه إلى أن يصدر أمراً قائلاً: ان ما سيأمر به سينفذ حتى لو اقتضى الامر اقامة صفوف من المشانق لتنفيذه فقلت له حسناً جداً، رغم انني في قرارة نفسي كنت اعلم ان ذلك لن يجدي، وشرحت بالتفصيل ان المرض نتيجة لجراثيم ملتوية، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.. ولكن امكن مشاهدتها عن طريق الميكروسكوب. وان هذه الجراثيم تأتي من نفايات المريض بهذا الوباء، وتصل عن طريق المياه أو الطعام إلى الجهاز المعوي لشخص آخر فيصاب بالمرض.. وان كل ما نحتاج اليه من أجل منع حدوث اصابات جديدة هو الاّ نشرب شيئاً سوى الماء المغلي وان لا نأكل شيئاً سوى الطعام المطهي. وقد قام الجنود بتنفيذ هذا الامر الذي صدر بتهديدات منذرة، منها انه اذا تم ضبط أي شخص يشرب ماء غير مغلي معرضا حاله والآخرين للمرض فانه يعدم رميا بالرصاص عند شروق الشمس. وبذلك توقف الوباء كما لو كان قد استؤصل بفأس، ولم تظهر أية حالة جديدة أخرى وفي تلك الايام كان السلطان في مسقط يحكم كل اقليم عمان، وقد حملنا رسائل منه إلى حكام المقاطعات المختلفة، واستقبلونا هناك بمودة شديدة وكانت ضيافة هؤلاء الحكام رائعة وغريبة. فقد كانوا يضعون كمية من الارز في طبق ضخم يصل إلى خمسة اقدام،ثم يدفنون خروفاً مسلوقاً كاملاً في هذا الجبل الابيض من الارز، وكانت شهية العرب الذين كانوا معنا لا يمكن تصديقها من الارز، ولكن اجهزتهم المعوية كانت قادرة على هضم كل ما يصل اليها. وقد وجدنا المنطقة الداخلية مزدهرة مثل مسقط نفسها تقريباً ولها نفس الاهمية ونظراً إلى ان عمل كل مشايخها هو تجارة الاسلحة فقد كانوا يحملون البنادق عبر البلاد ويضعونها على متن القوارب في أحد الموانيء الساحلية، وان كنت اشك في ان عدداً لا بأس به من البنادق التي يتم ارسالها بهذه الطريقة يصل بالفعل إلى المكان المقصود له، ذلك، لأنه من الصعب اعتراض طريق مثل هذه الشاحنات. @ رحلة طبيب في الجزيرة العربية