ما قامت به المملكة العربية السعودية في هذا المجال يعكس تاريخ العلاقات بين البلدين ومحبة المملكة للبنان ولم تعلن المملكة مرة عما تقوم به وهي لا تعتبر ذلك منّة منها أو ديناً لها في ذمة اللبنانيين بالمعنى المادي للكلمة. ؟ العلاقات اللبنانية - السعودية ليست حديثة العهد بالتأكيد. ومواقف المملكة تجاه لبنان واللبنانيين ليست جديدة أو ظرفية أو مربوطة بحسابات خاصة بالمملكة أو بتقلبات الظروف السياسية الإقليمية واللبنانية أو تقلبات التحالفات في الداخل اللبناني. لقد كانت المملكة ومنذ عقود من الزمن داعمة للبنان، كل لبنان، ومحتضنة لكل اللبنانيين في أصعب الظروف وساهم ذلك في الحد من تفاقم أزمات معيشية واجتماعية واقتصادية ومالية وفي معالجة أزمات سياسية وأبرز محطة في هذا الإطار كانت محطة الحوار النيابي في مدينة الطائف عام 89والتي أنتجت تسوية سياسية سميت اتفاق الطائف الذي أصبح دستور البلاد بعد إقراره في المؤسسات التشريعية اللبنانية . اليوم تتعرض المملكة وقيادتها لحملة شنيعة بشعة من قبل بعض اللبنانيين المحسوبين على سوريا. ويضع الجميع هذا الأمر في خانة الخلاف السوري - السعودي. ويتساءل البعض ما علاقة لبنان إذاً؟؟ ولماذا لا تكون المواقف سورية أو صادرة من سوريا وقد حصل ذلك في أكثر من مرة على لسان الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع ومن خلال بعض الأقلام في الصحف السورية. وإذا كان الأمر مربوطاً بلبنان فهل ما قامت به المملكة من مواقف وما قدمته كان لحساب فريق دون آخر أم أنه جاء لمصلحة لبنان؟؟ أتناول هذا الأمر على الأقل في السنتين الأخيرتين. نعم، ثمة في لبنان أزمة سياسية خطيرة، وانقسام كبير وخلاف عميق بلغ كل القضايا المطروحة وبات يهدد الوضع العام برمته في البلاد. فماذا فعلت المملكة؟؟ دخلت على خط الأزمة؟؟ نعم. كيف تصرفت؟؟ تواصلت مع كل الأطراف. التقى سفيرها الدكتور عبد العزيز خوجة كل القيادات دون استثناء. فتحت السفارة أبوابها وفتح منزل السفير لكل هذه الأطراف ولكل اللبنانيين. وقد تميز السفير السعودي بهذا الأمر قياساً بسفراء دول كبرى وعربية وإقليمية. حتى إنه في مرحلة معينة انتقد من قبل فريق الأكثرية ولو بشكل غير علني لأنه تحدث بإيجابية في مرحلة معينة عن مواقف بعض أركان المعارضة خصوصاً الرئيس نبيه بري ونظم زيارة لوفد من قيادة حزب الله الى المملكة حيث التقى عدداً من المسؤولين السعوديين لكن اللقاء الأبرز والأهم والمفاجأة كان مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. ولم توفر المملكة من خلال سفيرها وتحركاتها الدولية والإقليمية فرصة إلا وحرصت فيها على استنفار كل الجهود لحماية الأمن والاستقرار في لبنان وفي ذلك مصلحة لكل اللبنانيين لا لفريق على حساب فريق آخر. وعندما دمرت اسرائيل الجنوب وعدداً من المناطق اللبنانية، بادرت المملكة الى الوقوف الى جانب لبنان. فقدمت مساهمات مالية مباشرة للدولة لمساعدة النازحين ومعالجة بعض المشاكل الطارئة، ثم أرسلت وديعة بقيمة مليار دولار الى البنك المركزي لحماية استقرار العملة اللبنانية، ثم قدمت مبلغ 500مليون دولار لإعادة الإعمار والبناء. فهل كان ذلك دعماً لفريق الأكثرية مثلاً في الجنوب؟؟ وهل كانت الوديعة الأولى ثم الوديعة الثانية دعماً لليرة هذا الفريق، أم جاءت لتحمي الليرة اللبنانية، ليرة كل اللبنانيين دون استثناء؟؟ وعندما قدمت المملكة وعلى مدى سنتين مساعدات مالية لتتمكن الدولة من إعفاء تلاميذ المدارس الرسمية من رسوم التسجيل فهل كانت هذه الخطوة لمساعدة أبناء فريق الأكثرية اللبنانية دون أبناء الآخرين في لبنان أم أنها شملت عائلات كل التلاميذ في كل لبنان؟؟ إذاً، أين تكمن مشكلة بعض الذين يهاجمون المملكة وهم من المعارضة؟؟ هل هذا هو موقف المعارضة؟؟ لم نسمع كلاماً من هذا النوع من الرئيس بري مثلاً؟؟ بل سمعنا أحياناً مواقف إيجابية تتحدث عن دور إيجابي للمملكة. وسمعنا تصريحاً آخر من نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى يتحدث فيه عن الدور ذاته وهو الذي كان قد زار المملكة أيضاً والتقى كبار المسؤولين فيها، كما أنه على تواصل دائم مع السفير السعودي في بيروت. وفي جانب آخر، قدمت المملكة وبمبادرة من سفيرها وقرار من قيادتها بالتأكيد مساعدة الى جامعة المنار في طرابلس في الشمال والتي يرأس مجلس إدارتها الرئيس عمر كرامي وهو من قادة المعارضة البارزين فهل جسدت المملكة بمكرمتها هذه انحيازاً الى الأكثرية في لبنان، إضافة الى سلسلة من المواقف والقرارات والمساهمات أبرزها مؤخراً مساعدة الدولة لتوفير إمكانية دعم المازوت والقمح لمواجهة موجة الصقيع وتخفيف المعاناة عن اللبنانيين وارتفاع أسعار القمح في العالم وانعكاسه على لقمة عيش الناس في كل مكان. فهل الدعم هذا هو لفريق دون آخر؟؟ وهل ثمة برد وصقيع في مناطق فريق أو بيوت أو عائلات فريق دون مناطق وبيوت وعائلات فريق آخر؟؟ وهل الرغيف هو رغيف فريق دون آخر؟؟ وبالتالي هل المساعدة هي لفريق دون آخر؟؟ ما قامت به المملكة العربية السعودية في هذا المجال يعكس تاريخ العلاقات بين البلدين ومحبة المملكة للبنان ولم تعلن المملكة مرة عما تقوم به وهي لا تعتبر ذلك منّة منها أو ديناً لها في ذمة اللبنانيين بالمعنى المادي للكلمة. وما نقوله هنا ليس لشكر المملكة على مكرمة وهي تعتبرها واجباً، وإن كان الشكر علينا واجباً، لكنه ينطلق من الحرص على مصلحتنا في لبنان. مصلحتنا كلبنانيين. الدول والشعوب عندما تقع في محن تبحث عن أصدقاء فهل نتخلى عن أشقاء كانوا ولا يزالون الى جانبنا في كل المجالات والمحافل والمنتديات؟؟ وهل يعني ذلك ألا تكون هناك خلافات وتباينات؟؟ أو أن لا يكون ثمة آراء نقدية من هذا الفريق أو ذاك لسياسة هذا الشقيق أو ذاك؟؟ لا. هذا أمر طبيعي. لكن ذلك يجب أن يبنى على الوقائع والحقائق لاعلى الأوهام والانفعالات، فيذهب البعض في حملاته الى التجني والظلم، اللذين لن يتركا إلا الانعكاسات السلبية على بلدنا. ثمة فرق بين مقاربة ومناقشة القضايا والتوجهات والمواقف السياسية ، وبين رمي التهم بشكل عشوائي، والانطلاق في حملات لا تمت بصلة الى النقاش العقلاني والى المصلحة الوطنية اللبنانية. ويأتيك من يقول : "إن خلفية الموقف كله هي المحكمة الدولية وتعاطي المملكة معها". وهل المملكة وحدها وقفت الى جانب المحكمة؟؟ ألم تؤيد كل الدول العربية تقريباً المحكمة باستثناء قطر؟؟ ألم تؤيد دول أخرى المحكمة ولها علاقات جيدة مع سوريا؟؟ حتى روسيا التي امتنعت عن التصويت وهي على علاقة جيدة جداً مع سوريا اعتبرت ان قرار المحكمة قرار دولي ويجب أن ينفذ ويجب أن تقوم المحكمة وأعلنت استعدادها درس إمكانية المساهمة المالية في مشروع قيامها. كذلك فعلت المانيا ودول عديدة هي على علاقة جيدة أيضاً مع سوريا. أما فرنسا، وتحديداً فرنسا ساركوزي فقد أبدت المعارضة ارتياحها الى التغيير الكبير الذي حصل في السياسة الفرنسية ووصل البعض الى حد اعتبار أن موقع المعارضة أصبح الموقع المتقدم في فرنسا وأن للأخيرة مشكلة مع الأكثرية. وراهن هذا البعض كثيراً على هذا التغيير، لكن فرنسا لم تغير موقفها من المحكمة. وفي الأساس هل معيار العلاقة مع الدول هو موقفها من المحكمة؟؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن المعارضة ستكون على خلاف مع غالبية دول العالم إن لم يكن مع الغالبية الساحقة منها !! وهل المطلوب ألا تقوم المحكمة؟؟ إذا كان الأمر كذلك أيضاً فهذا يفسر كل ما جرى في لبنان ويبرر موقف الأكثرية النيابية. فضلاً عن أن المحكمة أصبحت قراراً دولياً فهل المطلوب الانقضاض على هذا القرار في وقت يتمسك فيه أصحاب وجهة النظر ضد المحكمة والقرار، بالقرارات الدولية الأخرى التي تناسبهم؟؟ ولماذا المطلوب من السعودية أن تقف وحدها ضد المحكمة؟؟ وهل يمكن تكريس حل في لبنان دون إقرار العدالة وكشف حقيقة مسلسل الاغتيالات في لبنان؟؟ أطرح هذه الملاحظات والتساؤلات ليس دفاعاً عن المملكة العربية السعودية ومصالحها وليس من أجلها بالرغم مما لها من رصيد الى جانب لبنان واللبنانيين. أقول ذلك، وفي قولي كلمة حق من أجل لبنان وحقوقه ومصالحه ومصالح اللبنانيين المقيمين في المملكة والمقيمين في لبنان والذين لم يروا في المملكة إلا السند لهم، وايضاً من أجل الاستقرار والحل والذي لا بد منه وسيأتي في لحظة معينة وسيكون للمملكة دور فيه كما يطالب الجميع لكن الأهم أن نؤكد نحن في لبنان أننا نريده ونعرف كيف نصل اليه ثم كيف نحميه .... ولنعمل على ذلك قبل فوات الآوان .