لا تتوقع من صاحب المشروع الناجح أن ينصت لمطالب التغيير، فمهما حذرته من الصعوبات المستقبلية لن يمنحك أذنا صاغية وسيبقى يدور في ذات الدائرة دون رغبة في التحرك إلى الأمام قيد خطوة. فقد أسكره النجاح وأعماه عن رؤية ما سيأتي من شروط جديدة لواقع جديد. هذه حال كل المشاريع الناجحة و(طاش ما طاش) ليس استثناء من ذلك، فرغم أنه في سنواته السبع الأخيرة بقي كما هو من الناحية الفنية يكرر ذات الأفكار ويقدم نفس الشخصيات إلا أنه استمر سنة بعد سنة عصياً على أفكار التغيير التي طالب بها الكثيرون ومنهم الممثل القدير ناصر القصبي الذي صرح أكثر من مرة عن رغبته في إيقاف طاش والبحث عن بديل. لكن "طاش" استمر لأنه كان ناجحاً بالمقاييس التجارية. الآن وأنا أكتب هذا السطر أصبحت المسألة محسومة، لقد تقرر فعلاً إيقاف طاش واستبداله بمسلسل جديد عنوانه (ناس وناس) يقوم ببطولته نفس الطاقم السابق وربما بنفس الشخصيات أيضاً!. فما الذي استجد مؤخراً؟ وما هي الأسباب التي قادت الثنائي عبدالله السدحان وناصر القصبي لحسم الأمر واتخاذ قرار الإيقاف؟. السبب أن هناك منافسين جدد ظهروا على الساحة واستقطبوا الجمهور بأعمالهم التي تفوقت على "طاش" نفسه. ففي السنوات الثلاث الماضية ظهرت أربع مسلسلات كوميدية حققت نجاحاً كاسحاً هي (إخواني أخواتي)، (ماكو فكة)، (غشمشم) و(بيني وبينك). وكان نجاحها في مقابل تضعضع "طاش" عاملاً رئيساً لإرغام صناع "طاش" على التغيير والبحث عن بديل جديد. وإمعاناً في التغيير قرر الثنائي السدحان والقصبي إنهاء علاقتهما بالمخرج عبدالخالق الغانم بعد مشوار امتد لأكثر من اثني عشر عاماً. وكان البديل هو المخرج البحريني أحمد المقلة صاحب النجاحات على مستوى الدراما الخليجية. ومع أن مجرد وجود أسماء جديدة سيضخ روحاً جديدة إلا أن التفكير في اسم أحمد المقلة لإخراج مسلسل كوميدي لا يبدو منطقياً لأن هذا المخرج تميز في صناعة المسلسلات الجادة -الحزينة!- ذات الرتم الهادئ إلى حد البطء المميت! وانطلاقاً من أعماله السابقة لا يبدو أنه يمتلك الروح المرحة التي يحتاجها العمل الكوميدي. ومن هنا لا أفهم كيف فكر السدحان والقصبي بالاستعانة بمخرج جاد مثل المقلة؟. لو أنهما استعانا بالمخرج نواف الشمري لكان أفضل لأن أسلوبه مختلف ومميز خاصة في المجال الكوميدي. أنا أتفهم أن تسيطر على الإنسان رغبة عارمة في التغيير وبأي شكل كان، لكن يجب أن تضبط هذه الرغبة كي لا تعمي البصيرة وتؤدي إلى اتخاذ قرارات مرتجلة ومتسرعة. ومن ناحية المبدأ أجد أن قرار تكليف أحمد المقلة بإخراج مسلسل (ناس وناس) متسرع ولم يُبنَ على أسس منطقية لأنه لم يأخذ في الاعتبار أن لكل مخرج روحه الخاصة التي لا يستطيع تغييرها حتى لو أراد ذلك، وروح أحمد المقلة لا تتلاءم وروح العمل الكوميدي بل هي الضد تماماً. إن أخشى ما أخشاه أن نشاهد (ناس وناس) في رمضان المقبل وقد امتلأ باللقطات المملة الطويلة التي ليس لها نهاية وضج بالموسيقى العالية التي لا مبرر لوجودها!.