تغيرت فصيلة الدم لدى فتاة استرالية بعد أن أجريت لها عملية زراعة كبد لتصير بذلك أول مريضة خاضعة لزراعة عضو تتغير فصيلة دمها؛ وهي حالة تشير التقديرات إلى أن احتمالات حدوثها تبلغ ما نسبته ستة بلايين إلى واحد. فقد أصبحت فصيلة دم ديمي لي برينان (O+) بعد أن كانت (O-) قبل أن تخضع لعملية جراحية لزراعة كبد بديل قبل ست سنوات. وقد تم تغير فصيلة الدم عقب تبني جسمها لجهاز المناعة الخاص بصاحب الكبد المتبرع بها - مما يعني أن الفتاة البالغة من العمر 15عاماً لم تعد في حاجة إلى تناول عقاقير كبت المناعة وهي العقاقير التي تستخدم لمنع الجسم من لفظ العضو الجديد. وقد جرت العادة على أن يتم استخدام تلك الأدوية مدى الحياة وأن قلة فقط من الخاضعين لعمليات زراعة الأعضاء تمكنت من التخلص من الأدوية المتقدم ذكرها كما أنه لا يوجد من يعتقد أنه تغلب على هذه الحالة من خلال تغير فصيلة دمه. ويقول الخبراء ان دراسة ما حدث للفتاة الاسترالية من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام التماس السبل الكفيلة بالتغلب على مشكلة لفظ الجسم للعضو الجديد المزروع فيه - الضالة التي طالما ظل العاملون في حقل زراعة الأعضاء ينشدونها ويسعون إليها بلا هوادة. وتحدث الدكتور ريتشارد تومبسون خبير أمراض الكبد لدى الأطفال بكلية كنجس في لندن عن حالة ديمي لي واصفاً إياها بقوله: إنها تبدو فريدة ومتميزة. وأردف يقول: "إنها حالة مثيرة وملحوظة ولافتة للنظر. وإن الفتاة محظوظة بصورة لا تصدق - وذلك عطفاً على قلة عدد من يمكنهم التوقف عن تناول الأدوية المضادة لرفض الجسم للعضو الجديد بعد زراعته فيه نتيجة لتمكنهم من احتمال العضو الجديد ولكن ذلك لم يتم من قبل عن طريق تغير فصيلة الدم". واستطرد قائلاً: "قد يكون من الخطير للغاية إيقاف أدوية كبت المناعة عن المرضى لرؤية ما سيحدث لهم. فقد يؤدي ذلك إلى رفض العضو الجديد ولفظه - الأمر الذي يستوجب زراعة عضو آخر". ويسعى الأطباء إلى زراعة أعضاء من متبرعين تكون فصيلة دمهم مطابقة لفصيلة دم المتبرع لهم أو الخاضعين لعملية زراعة الأعضاء. بيد أن ديمي لي كانت مريضة لدرجة أن أفراد الفريق الطبي اضطروا لزراعة أول كبد أصبح متاحاً في مستشفى وستميد للأطفال في استراليا برغم عدم مطابقة ذلك الكبد. وبعد عشرة أشهر بدأت تشعر وتعاني من فقر دم (أنيميا) من النوع الخطير الذي يهدد الحياة. وأثبتت الاختبارات الطبية أن خلايا الجذع المأخوذة من المتبرع قد بنت فوق نخاع العظم لدى ديمي لي، وهو الموقع الذي ينتج خلايا الدم. وفي محاولة يائسة، سعى الأطباء إلى ايقاف العلاج المقاوم لرفض الجسم للعضو المزروع - مما سمح لخلايا المتبرع بالسيطرة والهيمنة على خلايا الدم لدى المتبرع لها - ديمي لي. وما هي إلا أشهر معدودات حتى تغيرت فصيلة دمها بأكملها وتحولت إلى فصيلة دم المتبرع. وقد ظلت ديمي لي بصحة جيدة، وكذا الكبد المزروع، لمدة أربع سنوات؛ حيث وصفت ذلك بقولها: "إنه يشبه فرصتي الثانية في الحياة. إنه أمر يصعب تصديقه". أما الأطباء الذين باشروا حالة ديمي لي، فهم يقولون إنهم لا يستطيعون ايجاد تفسير كامل لتماثلها للشفاء على غرار ما تم إيراده تفصيلاً في العدد الأخير من المجلة الطبية "ذي نيو إنجلند جورنال أوف ميديسين". وقد أفاد الدكتور مايكل ستورمون اخصائي علاج أمراض الكبد لدى الأطفال في مستشفى وستميد بقوله: "لم تكن هنالك أي سابقة في هذا الصدد ولم يحدث مثل هذا في أي وقت مضى ولهذا فإننا أمام أمر جديد". وأما ستوارت دورني رئيس وحدة زراعة الأعضاء السابق بالمستشفى، فقد أدلى بدلوه بقوله: "يلزمنا الآن مراجعة كل شيء حدث للمريضة لمعرفة أسباب حدوثه وما إذا كان من الممكن تكرار حدوثه. ونعتقد أن سبب ذلك قد يكمن في استخدام كبد شخص صغير في السن فضلاً عن انخفاض معدل كرات الدم البيضاء لدى ديمي لي". وفي غضون ذلك، يعكف علماء أمريكيون على إجراء تجربة رائدة لطريقة لإعادة هندسة جهاز المناعة لدى الخاضعين لعمليات زراعة الأعضاء بما يمكن أجسامهم من قبول الأعضاء غير المطابقة دونما حاجة لاستخدام الأدوية المضادة لرفض تلك الأعضاء. ويستخدم هؤلاء العلماء نخاع العظم المأخوذ من المتبرع في ذات لحظة أخذ العضو منه وذلك في محاولة لاستمالة الجسم لقبول المادة الدخيلة وكأنها جزء أصيل منه. وقد أشار الدكتور تومبسون إلى أن نتائج التجارب التي أجريت على الخاضعين لزراعة الكلى والكبد أضاءت قناديل الأمل لا سيما وأن ستة من هؤلاء المرضى ظلوا في حالة صحية جيدة ولمدة وصلت إلى خمس سنوات بدون استخدام الأدوية المقاومة لرفض الأعضاء. ومضى فقال: "إن المثال النموذجي يتمثل في إعادة برمجة النخاع العظمي للمريض الخاضع لعملية الزراعة لقبول العضو المتبرع به حتى وإن كان غير مطابق ولكننا مازلنا في بداية الطريق ومازال المشوار طويلاً أمامنا ومازلنا بعيدين عن بلوغ مرامنا".