إن تهافت الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب على شخصية ثقافية تعمل في حقل الموسيقى والغناء العربي، غير المغنين والمغنيات، لهو مما يثير أسئلة وربما يجيب على أخرى، ولكن يبقى التساؤل عليه أقوى من فكرة السؤال والجواب.. منذ أن ظهر اسم عمرو مصطفى هذا الشاب المولود أوائل العقد ما قبل الأخير من القرن العشرين أنبأ عنه عمله الأول الذي كتبه عادل عمر أحد أساتذته في الجامعة وأوصله إلى عمرو دياب وكانت: خليك فاكرني. وضع مصطفى في قائمة الملحن الملاَّكي الذي سوف تنقض عليه الكثير من الأصوات وشركات الإنتاج ولكن كذَّب مصطفى كل هذه الظنون ماشياً عكس التيار الذي سايره أبناء جيله الجدد : محمد رفاعي ومحمد رحيم ووليد سعد وخالد عز حيث ينثرون ألحانهم في كل أستوديو وشركة إنتاج وحنجرة! لقد استطاع مصطفى أن يضع نفسه بين قطبين في الغناء العربي ، وليس أي قطبين! بين صوتين مهمين جداً هما: سميرة سعيد وعمرو دياب. تمثل سميرة سعيد إحدى الأصوات التي رسخت مزايا حداثة الأغنية النسوية العربية متجاوزة في نضوج مبكر منذ مطلع الثمانينيات - سنوات طفولة مصطفى- بتجربة شديدة الخصوصية وذات ملامح فارقة على مستوى الغناء النسائي العربي الحديث مذ أسمهان وليلى مراد مروراً بفيروز وماجدة الرومي وهدى عبدالله وصولاً إلى جوليا بطرس وكارول سماحة. ويمثل دياب مع آخرين بتفاوت، طليعة الشخصيات الثقافية التي تعبر عن جيل عربي بات يقترب الآن من نضوجه صورةً عن شباب حديث النزعة في الانفتاح الاجتماعي والثقافي من خلال كسر اعتيادية الأغنية العربية في مصر بتشريع مناخها موسيقياً على تنوع إيقاعي ولوني بات يمثل حداثة الأغنية بهمومها العاطفية والاجتماعية منذ مقترحات محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش مروراً بعبد الحليم حافظ ومحرم فؤد وصولاً إلى هاني شاكر ومحمد منير. وبوصول هذا الرأس الملحن بتراكيبه اللحنية الجديدة ذات المزاج المطوِّر داخلياً لبنية الأغنية العربية باختيار كلمات ذات مواضيع نكتشف تميزها من خلال استعراض وتذكر أغنيات لسميرة سعيد : الله يسهلِّك، قويني بيك ، بالسلامة.. عرفنا أيضاً أغنيات أخرى قليلة ظهرت بأصوات أخرى عند شيرين وجدي ومحمد حماقي ونوال الزغبي كشفت عن قدرة مهمة لاستيعاب الأصوات وتلميع طاقاتها الإبداعية مساهمةً في ترسيخ شخصيات خاصة غير ذائبة في سواها أو متعلقة بغيرها!. وما دامت فكرة الغناء بمشاركة أصوات من العالم الآخر واردة عند مصطفى فهي تؤكد أنها محاولة - وإن كانت غير مباشرة - تكسر أزمة حضور الملحن بوصفه عنصراً لا يحظى بالواجهة الإعلامية برغم أن محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش قدَّما الدرس القديم حيث ابتدأ كل واحد منهما في الغناء والتلحين معاً برغم الاختصاص في التلحين إلا أن خطوط الرجعة واردة. يبقى لاسم عمرو مصطفى أن التوجه صوب الغناء إشارة تحول عميق في شخصية الملحِّن العربي الذي لن يكتفي بأن يبقى خلف أسوار الحنجرة بل ليكون شخصية ذات حضور ندي للحنجرة وصورتها..