أعجبتني سخرية أحد الأصدقاء عندما وصف الساحة الثقافية في المملكة مثل المدينة التي بدأت تكتظ بالمباني والشوارع، ولكن أغلب تلك المباني شيدت بطريقة عشوائية فبدت مشوهة، بدت لي الصورة غامضة فطلبت الإيضاح، قال لنتخيل الساحة الثقافية في المملكة هي المدينة والمباني هي ما يصدر من أعمال إبداعية شعر وقصص وروايات، ألا تلاحظ ذلك العدد الكبير من الإصدارات، قلت هذا جيد، أجابني: ربما جيد لو أن هنالك من يلاحظ العيوب في كثير من تلك المباني، هل كل ما يصدر على مستوى جيد، قلت: هنالك أعمال جيدة بالمقابل هنالك أعمال رديئة، "والميدان يا حميدان" كما يقال دائماً، رد علي قائلاً: إذاً ثمة سباق.. ولكن ألا ترى أن وجود الحكم مهم في السباق، قلت بالطبع مهم، قال لي: أين الحكم في سباق الإصدارات، قلت الحكم الأول هو القارئ، وبعد ذلك يأتي الناقد، قال هنا فلنتوقف قليلاً: القارئ قد يعجب بعمل إبداعي ما ويقول بأن ذلك العمل جيد أو ممتع أو رائع، مجرد كلمات محدودة أو يقذف بالعمل في سلة المهملات عندما لا يعجبه ذلك العمل، ولكن أليس من الأفضل وجود الناقد الذي يقرأ العمل بتجرد ويكون صادقاً عندما يحتفي بالعمل أو يفضح عيوبه، تحدث ذلك الصديق كثيراً عن أهمية الناقد عندها بدأ يتضح لي تصوره الساخر عن تلك المدينة ذات المباني العشوائية. المشكلة وبكل صراحة أنه لا يوجد متابعة نقدية لما يصدر من أعمال إبداعية،هنالك بعض المحاولات البسيطة لبعض الأدباء لمراجعة بعض الإصدارات، ولكنها محدودة جداً، أتذكر أنه منذ سنوات أقامت دولة الإمارات العربية المتحدة ندوة دعت فيها عدداً من الأدباء والنقاد في الوطن العربي شارك فيها بعض الأدباء في المملكة، وخصص اللقاء بدارسة الأدب في دولة الإمارات، وقاموا بتزويد أولئك النقاد بجميع الإصدارات الإبداعية، وقد حقق ذلك اللقاء نجاحاً جيداً حيث تم التعريف بالعديد من المبدعين بالإمارات، إضافة إلى ما استفاده أولئك المبدعون من ملاحظات النقاد، ربما هنالك من يقول بأن بعض الأندية الأدبية تقيم لقاءً سنوياً حول النقد، وأجيب أنه من خلال المتابعة يبقى ما يصدر من إبداع حديث بعيداً عن تلك المؤتمرات والملتقيات، نحن ننتظر من وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام تبني هذا اللقاء، ربما يساهم ذلك في إعادة ترتيب تلك المدينة بعيداً عن العشوائية.