إن التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مختلف المياديين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية بصورة عامة وفي ضوء حرب الإرهاب بصورة خاصة تلك الحرب التي أصبحت شبحاً يمكن أن يعلق عليه أي عمل من أي مصدر كان بالإضافة إلى غيرها من المتغيرات التي تؤثر سلباً أو إيجابياً على حاضر البشرية ومستقبلها كل ذلك فرض تحديات كبيرة على جميع دول العالم سواء كانت منفردة كل منها على حدة أو مجتمعة مما يستدعي الاستجابة لتلك التحديات عن طريق الأخذ بالأسباب والوسائل التي تجعل التعامل مع تلك المتغيرات أسهل في ضوء وجود الكفاءات الوطنية المؤهلة التي لديها القدرة على الفهم وبالتالي التعامل الواعي مع تلك المتغيرات. وحيث إن المملكة العربية السعودية جزء من هذا العالم المتغير فهي تؤثر وتتأثر بما يجري على الساحة الإقليمية والدولية خصوصاً أن المملكة تسعى جاهدة للأخذ بالأسباب التي تساعد على مواكبة متطلبات العصر ومتغيراته ومن ذلك الصرف على التعليم بسخاء وإنشاء الجامعات والمعاهد العامة والمتخصصة حتى أصبح اليوم لدينا عدد كبير من المؤهلين الذين يحملون أعلى الدرجات العلمية وفي جميع التخصصات إلا أن الملاحظ أن المملكة وعلى الرغم من موقعها الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية وكونها أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين في جميع أرجاء الدنيا ومحط أنظارهم والمعبر عن طموحاتهم وآمالهم إلا أنه لا يوجد بها مركز متخصص للدراسات الاستراتيجية يحمل على عاتقه أموراً عديدة من سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية وأمنية ناهيك عن القيام بفعاليات أخرى مثل التدريب وإعداد الدراسات وعقد الندوات والمؤتمرات المتخصصة وترجمة الدراسات والمقالات والكتب ذات الأبعاد التي تهم المملكة أو منطقة الخليج أو العالم الإسلامي أو العالم أجمع. إن مراكز الدراسات الاستراتيجية اليوم أصبح لها باع طويل في خدمة الدول التي تملكها سواء فيما يتعلق بتزويد القيادات السياسية أو الاقتصادية أو الدوائر الحكومية وأصحاب القرار فيها بالتقارير والدراسات المناسبة أو فيما يتعلق بخدمة المجتمع ومؤسساته الحضارية من تعليمية أو صحية أو اقتصادية أو غيرها. ولعله من نافلة القول أن إسرائيل على سبيل المثال تملك عدداً كبيراً جداً من مراكز ومعاهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والعرقية والجغرافية في كل من إسرائيل وخارجها تعمل على خدمة أهدافها في المنطقة العربية بصورة خاصة والعالم بصورة عامة ولعلنا في هذه العجالة نستعرض أسماء وفعاليات عدد محدود من مراكز الدراسات الاستراتيجية الإقليمية والدولية والتي منها: 1- مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية وهو عبارة عن مركز مستقل وأهم اهتماماته: البحوث والدراسات وخدمة المجتمع، إعداد الكوادر البحثية وتدريبها. 2- مركز دراسات العالم الإسلامي: وهو مؤسسة علمية أهلية غير حكومية تعمل في حقل الدراسات والبحوث المتعلقة بالعالم الإسلامي في المجالين الإٍقليمي والدولي بهدف تحقيق تأصيل الواقع واستشراف المستقبل وطرح البدائل الملائمة وهو يعنى بالقضايا الاستراتيجية التي تهم شعوب العالم الإسلامي وأقاليمه بالإضافة إلى الفعاليات الأخرى مثل إعداد الدراسات وعقد الندوات والمؤتمرات وإقامة علاقات تعاون مع المراكز المماثلة في العالم الإسلامي. 3- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: وهذا المركز يسعى من خلال نشاطه العلمي إلى نشر الوعي العلمي لدى الرأي العام المصري والعربي بالقضايا الاستراتيجية في العالم بوجه عام وفي العالم العربي بوجه خاص. ناهيك عن ترشيد عملية صنع القرار هناك. وفي هذا الإطار يفترض بأن يهتم هذا المركز بمخاطبة القيادات السياسية وصانعي القرار والهيئات التشريعية والتنظيمات السياسية والأحزاب السياسية والجهاز الحكومي والدوائر العلمية والسياسية الدولية والباحثين والمحللين السياسيين بالإضافة إلى الصحافة ووسائل الإعلام. 4- يوجد عدة مراكز للدراسات الاستراتيجية بالشرق الأوسط ذات التوجهات المشابهة التي يمكن أن تذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أ - مركز الدراسات الآسيوية (القاهرة). ب - مركز الدراسات اللبنانية (أكسفورد). ت - مركز الدراسات الفلسطينية (بيروت). ث - مركز الدراسات والبحوث (الكويت). ج - مؤسسة السلام في الشرق الأوسط (واشنطن). ح - المعهد اليهودي للدراسات الدينية والسياسية (إسرائيل). خ - معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة (إسرائيل). د - معهد الدراسات الفلسطينية (واشنطن). ذ - مركز حيفا للدراسات الاستراتيجية (إسرائيل). 5- مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS: هذا المركز عبارة عن مركز غير حكومي معفى من الضرائب مقره العاصمة الأمريكيةواشنطن ويقول المركز عن نفسه بأن مداه دولي ونظرته استراتيجية ومعالجته ثنائية الفائدة وطريقته ملتزمة وأن معالجته تصنع علاقة متينة بين القطاع العام والخاص وهدفه إنتاج حلول ناجحة للمشاكل وله اهتمامات في مجلات عديدة تشمل الأمور الاستراتيجية في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية والإدارية وغيرها. ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية هذا يهدف إلى المساعدة في الوصول إلى حلول في السياسات العامة المحلية والدولية تشمل خلق منظور استراتيجي من خلال تقييم المخاطر السياسية وتحليل الشؤون الإقليمية والدولية من خلال دراسة الأمن والاستقرار العالمي واستشراق آفاق المستقبل حيث يقوم المركز بإعداد قيادات العمل الاستراتيجي للحاضر والمستقبل وإقامة علاقات شراكة للوصول إلى حلول ناجحة. وحيث أن التقدم التكنولوجي أصبح يلعب دوراً هاماً في التغيرات التي يشهدها العالم فإن لدى المركز مجلس خاص يعنى بمستقبل التكنولوجيا وأثرها على السياسة العامة وهذا يعكس أهمية التكنولوجيا كعامل مؤثر في عملية التغير التي يشهدها العالم خصوصاً في مجال التقنية العسكرية، ولذلك فإن المركز يوجد لديه مجلس إدارة يتكون من قيادات وخبرات تشمل عدداً كبيراً من المتخصصين وذوي الخبرة العالية حيث يضم في عضويته أعضاء في الكونغرس وأعضاء ممن حصلوا على جائزة نوبل وخبراء في العلوم والاقتصاد والأمن وغيرها من التخصصات وكلهم يتعاونون من أجل تيسير عمل المركز وتحقيق أهدافه. لذلك فإن المركز توجد لديه بنية تحتية قادرة على الوفاء بالمتطلبات كما أن المركز لديه خبراء ومستشارون متعاونون في جميع التخصصات. كما أن له صلات تعاون مع القطاعات المختلفة العامة والخاصة بالإضافة إلى أنه يملك نقاط اتصال منتشرة في مختلف أرجاء العالم، ناهيك عن اتصالاته مع الجامعات ومراكز البحوث في داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. ومن جهة أخرى يقوم المركز بعدد كبير من النشاطات ذات العلاقة بمهمته مثل عقد المؤتمرات والمحاضرات والندوات وحلاقات التدريب وبرامج التأهيل ذات العلاقة بنشاط المركز وتخصصه، ليس هذا فحسب بل إنه يصدر عددا كبيرا من النشرات والمجلات العامة والمتخصصة. ويتبع هذا المركز عدد من المراكز المتخصصة في دراسة الشؤون الدولية المختلفة مثل برنامج الشؤون الأفريقية، والأمريكية، والآسيوية، والأوروبية، والشرق الأوسط، واليابان، والمحيط الهادي، وروسيا، وجنوب آسيا، وتركيا، وغيرها من المواقع الهامة. من ذلك كله نستطيع أن نقول إن لمراكز الدراسات الاستراتيجة أهمية كبرى لكل دولة من الدول تتمثل في خدمة المصالح الحيوية لتلك الدولة من أمنية وعسكرية واقتصادية وسياسية واجتماعية ناهيك عن سرعة تعامل مثل تلك المراكز مع الحالات الطارئة والمستجدة وعلى أية حال فإن كل مركز من مراكز الدراسات الاستراتيجية يكون أكثر نفعاً إذا كان من يقوم على دراساته وتقاريره أبناء البلد الحريصون على مصلحته ومستقبل أجياله. وعلى العموم فإن دولة بأهمية المملكة العربية السعودية وحجمها وثقلها وقدرتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي وقيادتها للعالم الإسلامي ولكونها مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين ناهيك عن أهميتها في مجال التوازن على المستوى الإقليمي والدولي كل ذلك يحتم عليها أن يكون لديها مركز متقدم للدراسات الاستراتيجية يأخذ بعين الاعتبار كل ما تقدم ناهيك عن مواكبة الأحداث والمستجدات على الساحة العربية والإقليمية والدولية ذلك أنه سوف يوفر مصدر دراسات استراتيجية محلية له اتصالاته الواسعة على المستوى الإقليمي والدولي. والله المستعان.