أكثر من خمسين عاماً قضاها هذا «العبقري» أبدع بريشته أجمل اللوحات، وأوجد النور في أعماله، فتراه العين، وتلمس نوراً مشعاً يسطع وكأنها لوحة مضاءة.. زخرف الحرف، وأخرجه عن قواعده، فتجمل الحرف بكل ما أعطاه من جمل وخلق له من الجمال أضعاف جماله. عرض في المتاحف العالمية الشهيرة وأهمها «اللوفر» وحاز على جوائز عالمية عديدة من بين أشهر الفنانين العالميين. والنورانية.. مدرسة فنية أبدعها.. كان ل «ثقافة اليوم» هذا اللقاء مع الفنان العالمي «وجيه نحلة» الفنان الذي ملك القلوب بتواضعه ودقة مواعيده، والتزامه لفنه، والذي يعد مدرسة فنية تخرج منها الكثير، وتحدث عن الكثير من حياته الفنية فإلى الحوار: ٭ هل هناك علاقة بينك والصوفية، ومن الذي اكتشف وجيه نحلة؟ - أنا لم اقرأ عن المتصوفين، ولا عندي أي فكرة عن أحدهم، وأنا من اكتشف نفسي من خلال تأملاتي، ومن خلال انغلاقي، وتوحدي وقتا طويلا، أمارس فيه رتما معينا. مثال ذلك عندما رسمت «المائيات» أنغلقت في وحدتي وأصبحت ك«المتصوف». أجلس على الأرض، وأرسم 50 لوحة كلها مهمة ولكن تكون سلسلة متتابعة حتى أصل إلى النقطة المهمة «الزفانا»، وهي الوصول إلى القمة. فأنا عندما أرسم بكل أحساسي، وعنفواني، وألمس أن اللوحة تخصني. ٭ في لوحاتك الحروفية تدخل المشاهد إلى داخل الحرف ويتصور بعداً ثالثاً بداخله. أخبرنا كيف تخلق هذا البعد؟ - عندما أرسم أحس بفضاء نوراني لوني، أرى اللون الأزرق.. الموف.. الفضي.. في التقاء بحس معين غير ملموس وفي فضاء ليس له نهاية. ثم ادخل فضاء «التونال» ولكنه فضاء له نهاية، وفي فترات عندما أذوب اللون أكون بحالة غيبوبة، أو انسلاخ، أو انعتاق، وبحركة تواصل أذوب خلالها مع اللون نفسه حتى تتلاشى سماكته وأدخل عالم «التونال»، وتجف السماكة اللونية بنفسها وتخلق البعد الثالث، وتصل إلى النورانية. ٭ أخرجت الحرف العربي من قواعده، وأوجدت الخط «النحلي»، هل هو نوع من أنواع الخطوط العربية المعروفة؟ - تحدث الدكتور المنجد في محاضرة ألقاها في الجامعة الامريكية عن تاريخ الخط العربي، وقال انه يوجد الخط النحلي وتحدث عنه. وأنا فقط أكتب بأسلوب، ولا أعتمد على قواعده، فأكتب النون دائرة مغلقة بداخلها النقطة، وتعني في الصوفية الكون، والألف أضعه بامتداد غير منته، وأنا لست خطاطا. ٭ مرحلة الحرب.. كيف كانت تجربتك الفنية خلالها؟ - في تلك المرحلة كانت هناك مرحلتان قبلها مرحلة التراثية، وهي التي أعدها المرحلة الاولى في تاريخي الفني ثم مرحلة الحروفية. وفي مرحلة الحرب كنت أسكن في منطقة «الرابية»، وأنا المسلم الوحيد وبقيت في بيتي مدة سنتين وثمانية أشهر لم استطع مفارقة متحفي ومرسمي، وخلالها ولدت مرحلة المائيات. وخلال الحرب كنت ثروة «وطنية» فلم يعترضني أحد. ٭ مرحلة فنية في حياتك لا تذكرها في تاريخك الفني؟ - هي المرحلة الانطباعية، قبل الخمسينات الميلادية ورغم أني فزت بجائزة أفضل رسام في العالم العربي يرسم البحر، في تلك المرحلة. ٭ في كتاباتك ذكرت أن هناك من يشاركك أعمالك من هو؟ - نعم، فهناك شخص ما، ولكن صدقني لا أعرفه، ولكني أحسه معي دائماً يشاركني مشاعري، وانفعالاتي كاملة. ٭ كيف هو مرسمك؟ - مرسمي يتكون من ثلاثة طوابق الاول للمائيات، والثاني للنحت، والحفر، والثالث للجداريات، ولا أعتمد في مرسمي على الطريقة التقليدية، وهي حمل «البلته» فألواني أضعها على مساحة 12م2، واستخدام ما يقارب الاربعين فرشة في وقت واحد. ٭ مشاركاتك عديدة في المسابقات، والمعارض العالمية، وقد فزت بالعديد من الجوائز العالمية، هل تكون مشاركتك بحثا عن الجائزة الاولى؟ - أبداً لا أبحث عن الجائزة بل الجائزة هي من تبحث عني، ففي المسابقة الأخيرة في متحف اللوفر فزت بجائزة المعرض الاولى، بلوحة اختارتها ابنتي للمشاركة ولم أكن موجوداً خلالها، وقد جاءني الخبر في دبي من أحد الاعلاميين. ٭ العطاء لا يتوقف، ولكن هل سنك الآن يسمح لك ببذل نفس الجهد؟ - أنا أبلغ من العمر الآن 73 عاماً وما زلت أعمل 18 ساعة يومياً دون توقف، وفي وضعية الوقوف. ٭ من هم أصدقاؤك ومن أقربهم لك ويعد جليسك؟ - لديّ الكثير من الصداقات ومن جميع المجالات من الموسيقيين وليد غليمة، الياس الرحباني، والشعراء هنري زغيب، سعيد عقل وغيرهم. ولكن يبقى صديق العمر الأستاذ جوزيف أبو رزق الأقرب لي وهو الذي اكتشف أني سوف اعطي شيئاً في يوماً ما. ٭ كلمة اخيرة.. - أنا أكن لهذا البلد بالشيء الكثير ولا أخفيك بأنه البلد الذي أجد الراحة فيه. وأحمل لقيادته وشعبه، الحب الكبير والمشاعر الصادقة، فقد عملت هنا ووجدت الدعم والاحترام والتقدير، فليّ مقتنيات كثيرة في أغلب الإدارات الحكومية، والجامعات بالمملكة افتخر بها.. فالشكر الكبير الذي يعجز لساني عن الوصف لكل إنسان على هذه البقعة ولك شخصياً.