تقف إيران اليوم (في عام 2025) على مفرق طرق مصيري، حيث لم تعد الخيارات الثوريّة قادرةً على رسم معالم المستقبل، أو الحفاظ على الاستقرار الداخلي، وصدّ التهديد الخارجي. تملك إيران رابع أكبر احتياطيٍّ نفطيٍّ عالميًا بنحو 160-157 مليار برميل، أي ما يعادل تقريبًا 10 % من الاحتياطي العالمي، وهي الثانية عالميًا في احتياطيٍّ للغاز الطبيعيٍّ بأكثر من 33 تريليون متر مكعب. وإلى جانب ذلك تحتضن البلاد ثروات معدنيّة هائلة تشمل الحديد والنحاس والزنك والعناصر النادرة التي تزداد أهميتها في الصناعات المتقدمة. ويبلغ عدد سكان إيران نحو 90 مليون نسمة، يمثّل الشباب (تحت سن الخامسة والثلاثين) أكثر من 60 %، ما يمنح البلاد طاقة بشريّة ضخمة قادرة على دفع عجلة الاقتصاد إذا أُحسن استثمارها. أما الإرث الحضاري والثقافي الإيراني العريق، فيُمثّل رصيدًا مهمًّا يمكن أن يجعل إيران مركزًا للجذب السياحي والثقافي على مستوى الإقليم والعالم متى ما توفّرت الإرادة السياسية لذلك. ورغم هذه المقومات الفريدة، اختارت القيادات الإيرانيّة في العقود الماضية باسم حماية "الأمن القومي" ومواجهة "المؤامرات" أن تعبث بأمن دول المنطقة، وتدعم جماعات مسلحة في الإقليم. لكن النتائج كانت مُرتفعة الكلفة؛ فقد تضاعفت العقوبات الدولية، وانخفضت صادرات النفط من نحو 2.5 مليون برميل يوميًا عام 2017 إلى نحو 700 ألف برميلٍ عام 2024. وتراجعت قيمة الريال الإيراني بنسبة تزيد على 70 % خلال خمس سنوات، فيما تجاوز معدل التضخم 45 % مع بداية عام 2025 حسب المصرف المركزي الإيراني. وبلغ عدد المهاجرين الإيرانيين إلى الخارج نحو 5.2 ملايين شخص منذ 2015، بينهم عشرات الآلاف من الكفاءات العلمية. ولم يزد التصعيد في الملف النووي سوى المزيد من تعقيدات المشهد الداخلي والخارجي؛ حيث كشفت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يناير 2025 عن توسع كبير في منشآت "نطنز" "وفوردو" تحت الأرض. وانتهت جولة مفاوضات فيينا في مارس 2025 دون أي تقدم يُذكر، فقد ظلّت طهران تصرّ على رفع شامل للعقوبات مقابل تمسك الغرب بفرض قيود صارمة وضمانات للرقابة الدولية. وعلى الصعيد الإقليمي، ظهرت مبادرات متكرّرة من القوى الإقليمية العربية والإسلامية لفتح آفاق التعاون مع إيران شرط التوقف عن دعم الجماعات المسلحة، واعتماد الحوار والتكامل الاقتصادي، لكن الخطوات الإيرانية ما زالت بطيئة ومترددة. الواقع أن كل التحدّيات الخارجية التي تواجه إيران ضاعفت من أزمات داخلية متراكمة لا يُصلحها الإنفاق العسكري الكبير، الذي بلغ 15 % من الموازنة العامة في عام 2024، فقد استنزف موارد كان يمكن توجيهها للتنمية والتعليم والصحة وتأسيس بُنية تحتية متقدمة لجذب الاستثمار وتعزيز السياحة الوطنية. اليوم، وبينما يعيد العالم صياغة معادلات الشراكات والطاقة والاقتصاد، تبدو أمام إيران فرصة تاريخية استثنائية للعودة إلى مسار التنمية والانفتاح. فالأسواق الدولية بحاجة حقيقية إلى موارد إيران، ودول المنطقة تسعى إلى تشجيع طهران لتكون شريكًا فاعلًا. والشعب الإيراني يتطلّع إلى مستقبل يليق بإمكاناته وطموحاته. ويظل الإرث الثقافي الإيراني جسرًا طبيعيًا يمكن استثماره للتواصل والحوار مع العالم. والسؤال: هل تختار إيران رهان التنمية والاندماج مع العالم، أم تستمرّ في طريق المواجهة والتصعيد؟ الجواب لم يعد شأنًا ثوريًا بحتًا، بل صار مرتبطًا بمستقبل شعب متطلّع، وأمن واستقرار دولة مهمة. * قال ومضى: الحكيم يعبر الجسر، والأحمق يخوض النهر حافيا "مثل فارسي".. (عاقل به پل ميرود، نادان رودخانه را مي ذراند)