صحافة الحلول هي مقاربة تحريرية تسعى إلى تغطية الاستجابات الموثقة للمشكلات الاجتماعية، وتقييم فعاليتها بعمق وموضوعية، دون تهوين أو تهويل، وهي لا تحتفل بالنجاح، بل تسعى لتفكيكه وفَهمه، ثم نقل الدروس الممكن تعميمها، وهي بذلك لا تنكر الأزمة، بل تُكمل قصتها عبر نافذة الأمل المدروس المبني على بيانات ونتائج وأثر ملموس.. في مهنة الصحافة، لطالما ارتبط الخبر بالخلل، والسبق بكشف الفشل، والتحقيق بالوصول إلى مواضع القصور، غير أن تطور المجتمعات وتداخل التحديات جعل من هذه المعادلة وحدها غير كافية، فنحن بحاجة اليوم إلى صحافة تتجاوز كشف العطب إلى مساءلة الواقع بحلول، تُسائل كما تُضيء، وتنتقد كما تُقترح، ويُعرف هذا في أدبيات الإعلام المهني ب"صحافة الحلول". الصحافة في أصلها بحث دائم عن إجابة سؤال "لماذا؟" لكن العالم تغيّر، وتسارع، وتشابكت أزماته، وأصبح من الضيق أن تُعرّف الصحافة فقط بما يكشف الفشل، ذلك أن الاقتصار على إبراز المشكلات دون محاولة تسليط الضوء على الاستجابات التي تُصاغ في مواجهة هذه المشكلات، هو اختزال قاصر لوظيفة الصحافة في المجتمع، ومن هنا تتشكل أهمية صحافة الحلول، كمنهجية لا تزاحم الصحافة النقدية، بل تُكمّلها بطرح السؤال الأعمق: "من حاول أن يحل المشكلة؟ كيف؟ ولماذا نجح أو فشل؟". ولإيضاح الفهم، فإن صحافة الحلول، هي مقاربة تحريرية تسعى إلى تغطية الاستجابات الموثقة للمشكلات الاجتماعية، وتقييم فعاليتها بعمق وموضوعية، دون تهوين أو تهويل، وهي لا تحتفل بالنجاح، بل تسعى لتفكيكه، وفَهمه، ثم نقل الدروس الممكن تعميمها، وهي بذلك لا تنكر الأزمة، بل تُكمل قصتها عبر نافذة الأمل المدروس، المبني على بيانات ونتائج وأثر ملموس. في هذا السياق، لا يمكن للصحفي المحترف أن يتجاهل التحولات العالمية في صناعة الإعلام، ففي السنوات الأخيرة، بدأت مؤسسات صحفية عريقة مثل نيويورك تايمز والغارديان ولوموند وغيرها، في تخصيص مساحات منتظمة لتغطية تجارب ناجحة أو مبتكرة تعالج قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية ملحة، لا باعتبارها إنجازات تستحق التمجيد، بل كحالات تستحق التحليل، وأظهرت دراسة منشورة في دورية Journalism Practice (2020) أن هذا النوع من التغطيات يعزز ثقة الجمهور بالإعلام، ويزيد من إحساسه بالقدرة على التغيير، بل ويحفّز المشاركة المجتمعية والتضامن. شبكة Solutions Journalism Network، وهي إحدى أبرز المنصات البحثية المعنية بهذا التوجه التحريري، وضعت أربعة معايير مركزية لما يُعد "صحافة حلول" حقيقية، وهي : أن تركّز المادة على استجابة موثقة لمشكلة عامة، وتُقدّم تحليلًا لأسباب نجاح هذه الاستجابة أو تعثرها، داعمة ذلك بأدلة وبيانات قدر الإمكان، وألا تُخفي حدود تلك الاستجابة أو شروط نجاحها، وبهذا المعنى، فإن صحافة الحلول، تطرح النماذج الممكنة وتخضعها للتحقيق مثلما تفعل مع مواطن القصور. ربما السؤال المهم طرحه هنا: لماذا ينبغي أن نأخذ هذا النموذج التحريري على محمل الجد في غرف الأخبار السعودية؟ الجواب: لأننا نعيش في دولة تتغير بوتيرة استثنائية، تتحول اقتصادياً، وتبني نماذج جديدة في الصحة، والإسكان، والتعليم، والعمل، ومن واجب الصحافة والإعلام عمومًا، أن تكون رافعة لهذا التحول، لا مراقبا له فقط، فرؤية السعودية 2030 أفرزت برامج وتحولات تتطلب تغطية نقدية ذكية، تُقيّم ولا تهاجم، وتُضيء المسارات الممكنة أمام صناع القرار والمجتمع. ما أدركته خلال مسيرتي المهنية في غرف الأخبار، هو أن التغطيات التي تُحدث فرقًا حقيقيًا ليست تلك التي تصف الأزمة فقط، بل تلك التي تربط الخبر ببدائله، وتسأل "كيف أمكن النجاح هناك؟ ولماذا لم ننجح نحن؟" ومن هنا، فإنني أدعو المؤسسات الإعلامية السعودية إلى تبني أدلة تحريرية جديدة تعتمد معايير صحافة الحلول. وليكن من بينها: تخصيص أقسام أو مساحات ثابتة أسبوعية لتغطية "الاستجابات المؤثرة"، وتدريب المحررين على تقنيات تحليل الحلول واستكشاف عناصرها، بل وإدراج مؤشرات الأداء والأثر كجزء من المادة الخبرية، بالإضافة إلى توثيق التجارب المحلية ومقارنتها بنماذج عالمية مُماثلة. في نهاية الأمر، فإن صحافة الحلول ليست بديلًا عن الصحافة النقدية، بل هي امتداد ناضج لها، وهكذا يتضح أنها ليست ترفًا تحريريًا، بل حاجة عميقة في زمن تتكاثر فيه الأزمات، وتعيد تعريف نفسها في ضوء علاقتها بالمجتمع لا بالخبر وحده، لذا، يمكن اعتبارها نمطًا جديدًا من المسؤولية الإعلامية، يقوم على التحري، لا التهليل، وعلى التحليل المُعمق للمادة، لا سرعة النشر.. دمتم بخير.